بِألْفِ لَوْنٍ يتلألأ الموتُ على القبور الزاهرة، كتب
ادواردو غاليانو.
يذهب العيد بالأحياء إلى الموتى كلّ عام.
قبل أن تشرق الشّمسُ و قبلَ أن تصنع العصافير الصُّبحَ،
و عندما يَكون الرّبُّ قد غرقَ في نومةِ ما بعد الفجر، تقذِفُ المضاجع آلاف الوجوه
المغسولةِ جيّدًا بالنّعاس إلى دّروب منقوعة في الزّفْتِ. واحدا تِلْوَ الآخر،
بخُطًى صامتة، ينتصب الإيقاع على رؤوس أصابعه كي لا يزعج الخالدين في النوم. و
تتسارعُ الهمسات تهدهدُ اختلاجات من أقضَّ رميمهُ الوهجُ المنبعثُ من أجسادٍ لم
تفارق دفء دمائها بعد. شيئا فشيئا، تتشكّل الرّسوم على الأرض و تُرسمُ عناوينُ
البيوت الهادئة و معها تتشكّلُ ملامح العُيون التي تفتّحت لتوّها، وقتها تكفُّ
الأيادي عن تكميم الأفواه المتثائبة و تنصرفُ إلى عدّ دقّاتٍ تحاولُ جاهدةً حبسَ
ما يُسمّه الموتى: الزّمن.
عُصفورةٌ ذات منقارٍ طويل كانت تراقب أحدهم عن كثبٍ، و
كان يذرف دموعا على عجلَةٍ من أمره خلفَ ستارةٍ مصبوغةٍ حديثا، قالت لصديقتها:
سمعتها تقول "اصمتْ، دموعك ليست
إلا دموع عينين". أحسبه سيتزوّج قريبا، شرحت العصفورة الأمرَ كلّه. و كان
أوّل المغادرين.
ربّما نسيَ الأحياءُ أنّ الموتى لا يغفون، هم فقط
يتظاهرون بالنوم و يغمضون أعيُنهم لينصتوا إلى أنّات مكلومة تعبر إليهم في غفلةٍ
عن آذان السور ثمّ يُصيخوا السمع بعد ذلك إلى العصافير التي كانت صنعت الصّبح حينَ
تقُصُّ رؤاها الليلية على ورق الشّجر و جمهور الأزهار التي تُطلّ منها عيونهم.
طفلٌ في قبضة أمّه لم يميّز بعد بين الضّحك و البكاء سمع
همسةً أسفل قدميه: "نولدُ بينَ موتٍ و موت" فابتسم حين لمعت أضواء زاهية
في حذائه الجديد.
في ركنٍ هادئٍ قليلا جثا عجوز محنيّ الرّأسِ خَجِلا،
أطرق بُرْهَةً ثم أسرّ عبر النافذة المغلقة "مفتاحٌ قديمٌ أضاع بابه"،
كان يرثي نفسه، و كان آخر الصامتين.
و حين انتبهنا، كانت السّماء قد غارت في السّماء، و هي
الآن بعيدةٌ جدّا، أبعدُ مما ترونها الآن.
Commentaires
Enregistrer un commentaire