ليل
بعض غيمات في السماء
تدفعها ريحٌ خفيفة لونها رماد مشربٌ بحُمْرَةِ أضواءِ المدينة المنعكس في هذه
السّويعات من الفجر.
صومعة الجامع
بألوانها الخضراء المنبعثة من أنابيب طويلة تنكسر توهّجاتها على الجدران المقابلة فتوهِمُ الراّئي بقداسَةً
من أطيافِ الجنّة تتخللها نبضة حمراءٌ قانية مُنْذِرةٌ بقرب الزّوال.
على الأرض، تمددتُ أحدّق
في السماء، بينما كان القطّ مستلقيا بدلال إلى جانبي في سلام و ربّما هرهرَ من حين
إلى حين و عاد يتمطّى حتى يغلبه الخدر. أخيرا تيقّن أن موسم القطط بعيد فآثر
البقاء في البيت على أن يهيم عبَثا في الأزقة فجرا.
لا أعرف كم مضى من الوقت لكني كنت في حالة من
الكسل حتى لشربة ماء، علبة السجائر لونها الأحمر يُغري لكنّ الكسل يجعل كلّ شيءٍ
مهينا، هدأ الهواء قليلا ليُغيّر اتجاهه باردا كقشعريرة البحر، لا مشكلة ، هذه
نسائم صيف يمكن تحمّلها حتى و إن تسببت في عطسة قويّة، المشكلة في ذباب ما بعد
الفجر.
هرهر القط مرّة أخرى ثم غمغم شيئا بتكاسل و عاد فارِدًا قوائمه كمن له حق المكان. تناهت تكبيرات آذان بعيد بصوت منكرٍ كنهيق أتان تفرّ من فحل سرعان
ما بعثرته الريح رحمة من عندها و غارت النجوم التي صمدت أمام أضواء المدينة و بدا
شيء كالوهج يتلألأ من بعيد، الآن يحشرج البوق في الصومعة فيبدو لسامعه كصدرٍ
أصابته بُحّة في ليالي الصيف ثم انطلق النّداء رقيقا مهدهدا مغري بكسل و نعيم
مقيمين.
شيخنا هذا لا يقارن حتى بنبيّ: "من مروَح في الصلاة
أو قبض فلا يُصلّينَّ خلفي، و من أطال لحية فلا يدخلنّ مسجدي"، و حين يعاتبه
أحدهم يقول "هذا المسجد مسجدي منذ أكثر من أربعين عاما، إن شئت صلّ و إن شئت
غادر" ،خازوق في عيون الإخوان و السلف رغم محاولاتهم مع الوالي و الوزارة
لإحالته على التقاعد، أصر سكان الحي على بقائه ما دام فيه نبض و نفس.
الأن بدأت الخيالات
تتراقص و يلقي الفجر ظلالا سوداء على كل شيء و تُسمع أولى أصوات العصافير و قريبا
سيهجم الذباب كالقذائف التي لا تنتهي.
فتح القط عينا، نظر
نحوي و هرهر لكنني تجنّبت النظر إليه حتى
لا أحرجَ أمام طلبه القادم: فطور الصباح، فليصم أو فليذهب لتصيّد العصافير!
كيف سأستجمع قوايَ
الآن قبل قدوم جحافل الذبان الجائع؟
Commentaires
Enregistrer un commentaire