ذات زمان
Once upon a time
كان يسكن معنا في الضيعة –كلب.
له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة.
كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول.
وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين.
ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة.
القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس.
ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب.
بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا:
-أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنعلها...
أطرق الكلب برأسه و حرّك ذنبه خجلا ثم انسحب يرزح تحت ثقل الذنب و له أنين حزين.
أرسلت العجوز إلى المدينة تطلب أخي، في حين توارى الكلب، فلم يشاهده أحد في الجوار.
عندما وصلت مع أخي بالسيارة كانت الوقت عصرا و سماء الخريف بدأت تتغشّاها سحب رمادية كئيبة، كان الكلب يزجر الأتان من خلفها و يجبرها بنباحه الصاخب على الاتجاه مباشرة صوب البيت ثم يتقدمها جارا إياها من زمامها المتدلّي.
كانت الندوب تغطيها بالكامل و الذباب يرقص ثملا على بقع الدماء التي لم تجفّ بعد.
قال أبي متوكّأ على عصاه:
-هذا من عمل الذئاب، لا بدّ أنها تاهت في الشعاب حيث تكثر المغاور و الكهوف.
أما الكلب، فانسحب بعيدا و بسط ذراعيه و أسدل رأسه و أرسل نظرات ملؤها العتاب كأنه يقول " لماذا تحملونني فشلكم و إهمالكم".
قالت أمي: هذا الكلب حرّ.
في تلك اللحظة أطلّ القطّ برأسه من التنّور كأنه يتحرّى الوقت، ثم عاد يكمل نومه في انتظار حلول الظلام.
بعد أيام جاء أحد الجيران يستعير الأتان، تصدّى له الكلب بكل قوة و عنف حتى أنه انتصب على قائمتيه الخلفيتين واقفا سادّا الطريق، و بعد محاولات رضي أخيرا أن تغادر الأتان بشرط أن يرافقها، و هكذا... ما أن غابت الشمس حتى كان يقودها أمامه بسرعة جعلت جارنا يهرول و قد انقطع نفسه ليدركهما.
قالت أمي: هذا الكلب حرّ.
و ذات يوم صدمته شاحنة مثقلة بالتراب في يوم ماطر حين تصدى لها محاولا الثأر لدجاجة دُهست بالأمس.
ربّما تسللت بعض الدموع، حين لُملِمتْ أشلاؤه... هذا الكلب حرّ.
لكنّه كلب.
ربّما الحياة كلها بنت كلب.
Once upon a time
كان يسكن معنا في الضيعة –كلب.
له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة.
كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول.
وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين.
ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة.
القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس.
ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب.
بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا:
-أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنعلها...
أطرق الكلب برأسه و حرّك ذنبه خجلا ثم انسحب يرزح تحت ثقل الذنب و له أنين حزين.
أرسلت العجوز إلى المدينة تطلب أخي، في حين توارى الكلب، فلم يشاهده أحد في الجوار.
عندما وصلت مع أخي بالسيارة كانت الوقت عصرا و سماء الخريف بدأت تتغشّاها سحب رمادية كئيبة، كان الكلب يزجر الأتان من خلفها و يجبرها بنباحه الصاخب على الاتجاه مباشرة صوب البيت ثم يتقدمها جارا إياها من زمامها المتدلّي.
كانت الندوب تغطيها بالكامل و الذباب يرقص ثملا على بقع الدماء التي لم تجفّ بعد.
قال أبي متوكّأ على عصاه:
-هذا من عمل الذئاب، لا بدّ أنها تاهت في الشعاب حيث تكثر المغاور و الكهوف.
أما الكلب، فانسحب بعيدا و بسط ذراعيه و أسدل رأسه و أرسل نظرات ملؤها العتاب كأنه يقول " لماذا تحملونني فشلكم و إهمالكم".
قالت أمي: هذا الكلب حرّ.
في تلك اللحظة أطلّ القطّ برأسه من التنّور كأنه يتحرّى الوقت، ثم عاد يكمل نومه في انتظار حلول الظلام.
بعد أيام جاء أحد الجيران يستعير الأتان، تصدّى له الكلب بكل قوة و عنف حتى أنه انتصب على قائمتيه الخلفيتين واقفا سادّا الطريق، و بعد محاولات رضي أخيرا أن تغادر الأتان بشرط أن يرافقها، و هكذا... ما أن غابت الشمس حتى كان يقودها أمامه بسرعة جعلت جارنا يهرول و قد انقطع نفسه ليدركهما.
قالت أمي: هذا الكلب حرّ.
و ذات يوم صدمته شاحنة مثقلة بالتراب في يوم ماطر حين تصدى لها محاولا الثأر لدجاجة دُهست بالأمس.
ربّما تسللت بعض الدموع، حين لُملِمتْ أشلاؤه... هذا الكلب حرّ.
لكنّه كلب.
ربّما الحياة كلها بنت كلب.
Commentaires
Enregistrer un commentaire