فجر
في الساحة التي تقابلُ
الجامع حشد من القطط، و قُمامةٌ طازجة. و الملامحُ غير واضحة. رؤوسٌ شُغلت في
رزقها فنسِيَتْ تسريح شعرها.
الظلام النازلُ يزيدُ في
تشويه الملامح فتُشابه الإناثُ الذّكور و يُفْقَدُ الحبُّ من بعيد.
غَيْرُ قَريبٍ، زُمرةٌ
من الجرذان بين كرٍّ و فر، يتقدّم أجرأهم بخطوات حذرة، يرفعُ قطّ عينا بعيدة
الغور، ينكُصُ الفأرُ على عقبيه.
يُقال أن الفئرانَ لا
تخشى القطط لأنها عدوّة، بل لأنّ نظرَةَ القطّ، إن وقعت العين على العين، تجعل
أشدَّ فأرٍ جَلدًا مشلول الحركة مسلوب الإرادة إلى الأبد.
قد يمرُّ بعض الناس، و
يُحْدِثُ حفيف نعالهم صوتا، لكن ذلك لا يزعجُ أحدًا، للحضارة أثرها. التطوّرُ شمل
الجميع و الارتقاء سنّةُ الحياة.
بعض القادمين من الريف
حملوا أخبارًا أغلظوا أيْمانهم أنّها صادقة. جُرذان الحقل فقدت سمات البداوة منذُ
أن تشكّكت السماء بنشاز الخيوط، حتى الطيور
لم تعد تفزعها خُطوات تنْهَكُ حرمه دِيارِها. موجات الإرسال غمرت حتى جُحور
الأفاعي و الخنافس، و مالا تلقُطُه حواس البشر الميتة تُشفّرُه الكائنات ساخرة.
الطريق لا يشوبُها
وَقْعٌ، و السّكارى في نُدرَةِ فاقِعَة، مثل بقايا الفرح في أزقّةٍ خنقتها ظلالها
الهابطة.
عمودُ الكهرباء لا تفتأ
عينه ترفّ. "فألٌ سيء" قالت الشجرة في حين اضطرب رقص الذباب و البعوض.
حطّت حماماتٌ حمراواتٌ
غير بعديد، راقبنَ الليلَ حينا ثمّ حلّقنَ بعيدًا لمّا هبّت نسماتٌ ثقيلةٌ فتلقّت
لطمةً صاخبةً على خدّها النديِّ. و لم تُفزِعْ أحدا.
ارتدَّ أحدُ القِطط حينَ
اكتفى فانتبه رائد الجرذان، مراوغَةٌ رشيقة من فأرٍ خَبرَ سُلوكَ القطط العابثة!
الخير كثير... منثورٌ في
المزابل، فلا جاعَ قطٌّ و لا احتاجَ جرذ. و قنواتُ الصّرفِ
الفضائي تواصل دَفْقَها
حتى تغْمُرَ بخيرها الصّراصير.
من شبابيكَ مُعلّقةً
معارِجَ للنسيم في غُرُفاتٍ كرهتْ الضوء فأطْرِقتْ دونَهُ حُجُبا، تنفجِرُ بين
الحين و الحين صرخاتٌ راقصة من هواتفَ استنفدت شحناتها فأقضّتْ بذكائها سُبات
الليل، لكنَّها سَكنت حينَ جَنَحَتْ إليها أيادٍ مُصافِحةً بعنْفِ السلام.
بَرزَ القمُر من خلفِ
الصّومعة فأفسّحت النجوم، و وقفت سحابةُ
صيفٍ رعناءَ تتحدى ببياضها حُلكةَ الزّفت و لولا روحٌ هائمةٌ دفعتها، لامتصّ لونها
الطّريق.
غادر فوج الهرَرَةِ
الميدان في بطرِ المنتصر و عالجت الجرذان بطونها بقضمات محمومة العدد، ثمّ اصطّفّت
عادياتٍ حين نهزَها صريرٌ حادّ كنمنمة قلَمٍ على ورقٍ صقيل.
الآن، مالت السماء ليطبع
الفجرُ قبلةً على خدّها قبل أن تنصرف للنّوم، عندما تورّدت الصّومعة بالزهور فكللت
جبين الصّبح و أطبق الليل جفنه حتى المساء.
بعض القطط فقدت عناوينها
فتخلّصت من الساعات التي أدمت معصمها و شربت الليل و النهار في كأسٍ واحدة و سخرت
من خيالاتها العرجاء فتخلّصت منها، مرّة عند الغروب، و كرّة عند الفجر حين يشحبُ
الظلّ ثمّ تنجو بنفسها إلى الأمل.
Commentaires
Enregistrer un commentaire