مذكرات عبسلام
الموسم2
الحلقة الأخيرة
خارج المدينة
تمكّن من ايقاف سيارة فخمة متجهة إلى الجنوب و ظلّ يتجاذب أطراف الحديث مع ركّابها
حتى أشرفوا على النجف، فاستأذن في النزول و غادر بعد أن شكر فضل السائق و دعا له
بالبركة. ثم آوى إلى بعض الظلال و نام. كان الحرّ شديدا فلم يتمكّن من ضبط الاتصال
جيّدا مع شيخه عبر الرؤيا، فقرر تأجيلَ المكالمة إلى السّحر.
و كما تنتصب
شجرةٌ يانعة في قلب الصحراء، استوى عبسلام واقفا بكلّ شموخٍ و أنفة فاتحا ذراعيه كجناحيْ
فراشة، و اندفعت غيمة من قبل الخليج حتى تشاءمت حينا ثم عادت فاستقرّت فوق رأسه،
في حين كانت ريح الجنوب تسفي ما تلقى فلا يصدّها إلا هالة النور التي أحاطت عبسلام
فبدا كبعض آلهة سومر و إن بأجنحةٍ رقيقة.
حينَ عاد
الظلّ ظلّين كان عبسلام قد أوغل في الصحراء يقفو أثر الدّرب التي ستنهي رحلة
الإيمان و تسمو به إلى علّيين.
فجأة، و مع
غياب الشفق تماما، خرج له من الاأين...
-قفْ مكانك!
و رفع الرّشاش
في وجهه.
كان أقربَ إلى
خيال، بدا كإنسان أحاط وجهه بقناع و عليه قميص بالكاد يتجاوز ركبتيه و سروال كأنه
سُرِقَ من عبالرّحمان، و تحت الحجاب لحية نفرت بعض شُعيراتها معصفرَةً بالورس
الأحمر.
-انتسبْ! قال
الخيال. و سحب زرّ الأمان من سلاحه.
عرف عبسلام
الرّجل من سلاحه دون توهّم، قال زاجرًا:
-عبسلام شخصيا،
و لولاي و بركة شيخي ما وصلك هذا السلاح، و أبلغ قائدك أني مررت من هنا، فليفسحوا
لي الطريق فإني في عجلةٍ من أمري.
انسحب الرجل
في صمت إلا من ارتعاشة قضيب المسواك في فيه.
و ما هي إلا
لحظات حتى كان قائد الفرقة يفتح له باب السيارة المصفّحة ليسلّمه إلى بعض أصحابه
عند الحدود مع مهلكة الصحراء و منها حمله بعير مجوقل إلى بكّة. و هناك أغمض عينه و
كرع من زمزم حتى عاد كالضفدع على حافة الغدير، و قد ملأ الإيمان قلبه و سحّ من ثُقبيْ
أذنيه.
و من مكّة إلى
جدة إلى قرطاج إلى جبل اللذة حيث ينتظره الشيخ.
قضى أياما في
المدينة بين البيت و الشيراطون حتى طارت عنه الوحشة، ثم أزمع السفر إلى السيشل
وحيدا إلا من صفاء الذهن.
و هناك، كانت
أحداث لا تهمّنا.
و هذا يغلق
هذا الفصل ليبدأ فصل جديد اسمه الرّحلة الغربية.
Commentaires
Enregistrer un commentaire