مذكرات عبسلام
الموسم الثالث
الحلقة4
و انحنى عبسلام يرفع النعل من تحت التراب.
و في تلك اللحظة لمح من بين قدميه أطيافا تتقدّم و تحيط
به من كلّ ناحية...
قبض عبسلام قبضة من تراب و جمّع أنفاسه كلّها و في لمحةِ
بصرٍ انتصب واقفا و يداه في الهواء.
ارتفع و ارتفع حتى بدا بياض إبطيه، في حين كانت كمشة
التراب تخترق الأثير في سرعة الرصاص المحمّى...
-شاهت الوجوه... شاهت الوجوه...
و ظلّ كذلك برهةَ لا يطرف كأنه شامان إحدى قبائل الشمال،
و جاءت يمامة فحوّمت قليلا ثم حطّت على رأسه و زقّت لكنها قررت المغادرة حين لمحت
الفوضى حولها.
فكأنّما القوم أصابتهم الصّعقة فخرّوا كأعجاز نخل.
قام عبسلام إلى الوجوه يتفحّصها فعرفهم بسيماهم، ثم
أصابته قشعريرة حين تناهت إليه رنّة هاتف محمول.
كان شيخه على خطّ الثريا يطلب قائد الفرقة ليوصيه خيرا
بعبسلام.
قال عبسلام:
يا شيخي، لقد صرعتهم كلّهم بما علّمتني من بركات.
فكأنما انفجر الشيخ في وجهه مزمجرا:
ويحك يا عبسلام! هؤلاء أبنائي، أرسلتُهم يبشرون بثقافة
جديدة...
-اغفر لي يا سيّدي
-لا عليك، خذْ نعليَ الأصفر و اضربهم ببعضه، فإنّك ترى الآيات،
و لا تنسَ ذكرَ الله.
و كان كما قال.
و حين انتظمت أنفاس الجميع، دعاهم عبسلام إلى مشاركته البناء.
و شرعوا جميعا يرفعون الصّرح تخليدا لنعل الشيخ الأصفر و
يُهللون و يكبرون على أنغام صليل الصوارم حتى ضجّ بهم الجبل.
و كان في الجهة الأخرى من الجبل سُيّاحٌ من قوم الجٍِّرْمانِ
يصطادون الحلّوفَ بلغهم صدى الأهازيج فحملوا
قواريرهم و جاؤوا يشاركون عبسلام الاحتفال.
Commentaires
Enregistrer un commentaire