مذكرات عبسلام
الموسم2
الحلقة9
على الشاطئ، استقبل
عبسلام الأفق الشرقيَّ بذراعين في الهواء فبدا كأنّهُ يُقبّلُ الحياة، و امتلأت
حواسّه بأنين الموج المتلاطم.
خُيّل إليه في بهتته تلك
أن عرائس البحر بقيثاراتهنّ الفضّية يدعونه بألحانٍ حزينة للوصال، فأخذته الرّجفة
و غمرته الرّهبة و اقشعرّ من أخمصِ قدميه خَوْفَ أن يقعَ في أسرهنّ أبد الأبد،
فمدّ يديه يسدّ آذانه و أدبرَ يخُبّ في الرمل.
كان الغلام غير بعيدٍ
يوقد نارا للصلى و على حافتها انتصب ابريق الشاي ينفُث همساتٍ مُعذّبة.
في المساء و الليلُ داجٍ، ركبت الحيرة راس
عبسلام حتى انتصبَ السّهاد لهُ سميرا: يا عبسلام اضرب البحر بعصاك لا تخاف درَكا و
لا تخشى.
قال
عبسلام: بل أخشى! سيأخذني الحرس بالظِّنّةِ و يُلْقونني في غياهب السّجون. عليّ أن
أبلغ نهاوند فأملأ جعبتي من مقامها الحجازيّ ثمّ أعجِلَ إلى شيْخي فيرضى.
صاح
الغلام و قد أقضّ مضجعه همهمات عبسلام و همساته: يا مولاي، إذا كان الغد أنزِلُ
السوق فآتيك ببطّيخاتٍ بعبُرُ بها إلى العُدْوةِ من أرض العدوّ، فطب نفسا و خذْ
لكَ هجعةً تستريح بها و تريحني، نَمْ يا مولاي و غدًا تهزو فلا تعرف للخوف محلاّ.
مالَ
عبسلام لينام، و لا يدري على أيّ شِقّيه يميل، فقد أعجبه أمر البطّيخ حتى سبحَ في
النوم.
لم
يستيقظ إلا و طنينُ الذبابِ ينهالُ على رأسه.
كدّس
الغلام البطّيخات و راح ينْحُرها واحدة فواحدة مُتّخِذا منها أشكالا غريبة، و
عبسلام يتأمّل المشهد لا يدري ما يقول.
قال:
يا فتى، آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا.
قال
الفتى: ما معنا حوتُ و لحم، فاملآ كرشكَ من هذا البطيخ فإنّا سنمضي الآن في البحر
سَرَبا، و البطّيخُ على رِؤوسنا خُوَذا، و من يجِدْ السّباحَة ينْجو.
يتبع
Commentaires
Enregistrer un commentaire