Accéder au contenu principal

Articles

Affichage des articles du août, 2016
أوغاد يموت الناسُ في وطني__ جماعاتٍ و أفرادًا و ما الضّيْرُ و إنْ ماتوا!__ بإذن الله زُهّادا ليَحْيَ الشّيخُ في رَغَدٍ__ و صَحْبُ الشّيْخِ أسْيادا ألا موتوا أوِ انْقَرِضوا__ فَخيْرُ النّاسِ منْ بادا :فإنّ أبا سُميّةَ -يَا__ رعاهُ الله-قدْ نادى "يُحبُّ الله كُلّ غنيٍّ__ و يُقْصي عنْهُ شَحّ ادا" !مَتى كان الفَقيرُ يُرى__ فَيَسْتَوِيَنّ أنْدادًا ألا هُبُّوا إلى إرْثٍ__ أفاءَ الله لكم زادَ فعُبُّوا منه ما شئْتمْ__ و عيثوا فيه افْسادًا و انْتَهِزوا لَكُمْ فُرَصا__ و تخْطيطًا و ميعادا فإنّ الأرضَ وارِثُها__ لكم، يا خَيْرَ من هادَ و إنّ الحربَ مخادَعَةٌ__ و خيرُ الخَلْقِ من كادَ ألا حيقُوا بِهِمْ مَكْرًا__ و دُقّوا منْهُ أوتادًا فألْهوا النّاسَ في السَّفَهِ__ و إنْ شَايًا و بَرَّادا و نادوا كلَّ أفّاقِ__ صَعاليكَ و أوْغَادَا و دينُ الرّبِّ يدْعوكمْ__ و فيهِ كِفًى لِمنْ زادَا
قيثارة كأنّها من رُموشِ البَدْرِ قد نُسجت أو من شُعاعِ الشّمْسِ في الصّباحات افْتَحْ فؤادكَ و اسْتَمعْ للنّورِ و النّغَماتِ عنْدَ الشُّروقِ و في الضّحى و اسبَحْ مع الهَمَساتِ و في الغُروبِ و في المساء و اثْمَلْ منَ النّسَماتِ فافْتَحْ فؤادكَ للهوى و افْتحْ فؤادكَ للحياةِ
  مذكرات عبسلام الموسم الثالث الحلقة5 و قبل أن يلتئمَ الفجر الصادق كان عبسلام يهتدي بالنجم في متاهات الجبل، منحدرا كالسّيل الأتيّ، يُراوغ ناتئ الصّخر و يطأ أقداحَ الحصى بقدميه فتوري في الداحس طريقه بنور كزمهرة كير الحدّاد. ما أن ارتفعت الشمس قدر رمح في السّماء حتى بدت له سِِدْرَةٌ عند منتهى البصر فعجّل يطلبها قبل أن يشتدّ الضحى. فَإذا نَبِقُهَا كَأنه قِلالُ هَجَرَ وورقُهَا كَأنه آذَان الْفُيُولِ، و في أَصلها أَربعُ مغاراتٍ و قد غشِيتْها ألوانٌ لم يشهدْ عبسلام لها مثيلا، و الناموس يتراقص بين أغصانها مزهوّا و له طنين. تفحّصَ عبسلام المغاورَ فإذا هي اثنتان ظاهرتان و اثنتان باطنتان، فأما الباطنتان فليَرْبوعٍ أبْيض و حيّةٍ رقطاء، و الباطنتان فإحداهما لقبيلة ذَرٍّ و الأخرى لقومٍ من دبابير لويزيانا. و فجأة، ظهر نورٌ ساطع ملأ المشرق و ظلّ يقترب نازلا حتى انتصب فوق رأسه ، فإذا به شيخه عاقدا الجبين، فخرّ عبسلام ساجدا...
مذكرات عبسلام الموسم الثالث الحلقة4 و انحنى عبسلام يرفع النعل من تحت التراب. و في تلك اللحظة لمح من بين قدميه أطيافا تتقدّم و تحيط به من كلّ ناحية... قبض عبسلام قبضة من تراب و جمّع أنفاسه كلّها و في لمحةِ بصرٍ انتصب واقفا و يداه في الهواء. ارتفع و ارتفع حتى بدا بياض إبطيه، في حين كانت كمشة التراب تخترق الأثير في سرعة الرصاص المحمّى... -شاهت الوجوه... شاهت الوجوه... و ظلّ كذلك برهةَ لا يطرف كأنه شامان إحدى قبائل الشمال، و جاءت يمامة فحوّمت قليلا ثم حطّت على رأسه و زقّت لكنها قررت المغادرة حين لمحت الفوضى حولها. فكأنّما القوم أصابتهم الصّعقة فخرّوا كأعجاز نخل. قام عبسلام إلى الوجوه يتفحّصها فعرفهم بسيماهم، ثم أصابته قشعريرة حين تناهت إليه رنّة هاتف محمول. كان شيخه على خطّ الثريا يطلب قائد الفرقة ليوصيه خيرا بعبسلام. قال عبسلام: يا شيخي، لقد صرعتهم كلّهم بما علّمتني من بركات. فكأنما انفجر الشيخ في وجهه مزمجرا: ويحك يا عبسلام! هؤلاء أبنائي، أرسلتُهم يبشرون بثقافة جديدة... -اغفر لي يا سيّدي -لا عليك، خذْ نعليَ الأصفر و اضربهم ببعضه، فإنّك ترى الآيات، و لا...
مذكرات عبسلام الموسم3  الحلقة3 فإذا دخلت القصر فليكن بيمينك، فإنّك لا تدري لعلّ الله يُحدثُ أمرا. و أمكثْ عند صاحبنا ثلاثا تُذكّره بأيام الله، أما إن عرضَ عليك أمورا فداهنْهُ، و ما أن تنقضي عدّةُ الثلاث حتى تخلُصَ نجيّا، و إياك أن تطعم غير البسيسة التي في مِزْوَدِك و أعرض عن كلّ زُمّيطةٍ غيرها حتى تصل إلى زوج بغال، و بها تقيم عند الصخرة المباركة التي على يمينك فإن فيها مغارة دات قرار و معين حتى يأتيك أمري قاعدا أو قائما أو مضطجعا، و حيثما كنت فترحّم على 'جورج بيغل' حتى يأتيَكَ مني اليقين، فقم يا رعاك الله و امضِ راشدا قبل تشكيل الحكومة الجديدة. طاف عبسلام بالرّبوة سبعا ثم عرج على حماته فوجد مِزْوَدَ البسيسة جاهزًا و فيه تمرات و بعضٌ من شريحة التين و قد خُلِطتْ بالشامية الملوّنة فبدا المزيج كقوسِ قزح في يومٍ عاصف. قبّل عبسلام يدها و دعت له بصلاح الحال و أن يُحنّنَ الله قلبه على أهل بيته و أن لا يهجرهم مرّة أخرى. ثمّ مضى يتلمّس الطريق إلى الشّعانبي و يترصّد المواضع مُقلّبا كلّ انحناءةٍ ينقُفُ أثر نعلِ شيخه المعصوم. -يا بُشرايَ هذا نعل !
مذكرات عبسلام الموسم3 الحلقة2 غرق الشيخ في أريكته و جمع يديه على صدره حتى تراءت له صور الأيام الخوالي فأغمض عينيه و ترك النّحلةَ ترتع و تُجمّعُ رحيق الذكريات... -يا عبسلام، تنطلقُ قبل العيد فتعبرَ إلى الجزائر، لكنك لن تبيت في الشيراطون و لن تذهب إلى السودان... -ثم تنهّدَ و تمتم كمن يُسرّ إلى نفسه: اللهم مالك الملك، تنزع الملك ممن تشاء، إييييه يا بُنيّ! كانت أيّامَ جمر متوقّد، الحمد لله يعزّ من يشاء. -يا شيخي، تقول سميّة أنك فقدت نعلك الأصفر يومذاك، و أنك قطعت الجبال حافيا حتى دميَتْ قدماك لولا أن قيّض الله لك دابّة من حمر النّعم! -لا عليك يا عبسلام... -سأبذل جهدي لأعثر على نعلك الشريف و حيثما أجده سأرفع  صرحا و أوقد نارًا. -لا عليك يا عبسلام -أكان ذلك عبر جبل الشعانبي يا شيخي؟ -إنه جبلٌ مبارك، و فيه غارٌ و عنكبوت و حمامة... كنت على قمة الجبل حين اهتزّ من تحتي لمّا صحتُ فيه: أثْبُتْ شَعْنوب، فاستقرَّ باذن ربّه. -و لماذا لم تدعُ ربّك أن يطبق عليهم الشّعنبين! تالله لو فعلت لعجّل ميكائيل فما أبقى منهم ديّارا!! -أنت غرٌّ يا عبسلام... أما ترى اليوم أن الله أخر...
الموسم الثالث الحلقة1 عاد عبسلام إذنْ مُظفّرًا و استقبله المعجبون و ضجّت بهم منبليزير حتى عادت كالطود العظيم في انتصابها و ازدهائها بين خفق البنود و رفرفة الأعلام، و دخل الصرح قبل صلاة العصر مرفوعا فوق الرقاب على إيقاع الدفوف و حفيف سعف النّخيل. كان يوما لا ينسى. أرسل عبسلام رسولا إلى سمية أني آتيك ليلا فامتشطي و استحدّي. و تلقاه الشيخ بالأحضان ثم نادى في الناس: الصلاة جامعة. و كانت خطبة عصماء: أيها الناس! اسمعوا و عوا، هذا عبسلام و قد علمتم فضله قد عاد بالخير معقودا في ناصيته فكونوا عباد الله إخوانا و قوموا من حينكم فبادروا إلى ميراثكم، فإن الأرض يرثها عبادنا الصالحون، ألا قد بلّغت. عباد الله! من كنت مولاه فإنّ عبسلام مولاه، ألا قد أنذرت! يا عبسلام، أنت مني بمنزلة هارون من موسى فتفقّدْ إن كان في عينك قذى فلأتفلَنَّ في عينك حتى تعود كعين اليمامة. ثم نزل الدرج و عبسلام يتبعه حتى غابا في الرّواق. و في الخلوة استأذن عبسلام في الدخول على أهله و ذكّر شيخه برحلة السيشل. قال الشيخ: -أنت أهل لهذا يا ولدي، فافعل ما بد لك فإنك مغفورٌ خطاياك، و لا نامت أعين الجبناء. ...
مذكرات عبسلام الموسم2 الحلقة الأخيرة خارج المدينة تمكّن من ايقاف سيارة فخمة متجهة إلى الجنوب و ظلّ يتجاذب أطراف الحديث مع ركّابها حتى أشرفوا على النجف، فاستأذن في النزول و غادر بعد أن شكر فضل السائق و دعا له بالبركة. ثم آوى إلى بعض الظلال و نام. كان الحرّ شديدا فلم يتمكّن من ضبط الاتصال جيّدا مع شيخه عبر الرؤيا، فقرر تأجيلَ المكالمة إلى السّحر. و كما تنتصب شجرةٌ يانعة في قلب الصحراء، استوى عبسلام واقفا بكلّ شموخٍ و أنفة فاتحا ذراعيه كجناحيْ فراشة، و اندفعت غيمة من قبل الخليج حتى تشاءمت حينا ثم عادت فاستقرّت فوق رأسه، في حين كانت ريح الجنوب تسفي ما تلقى فلا يصدّها إلا هالة النور التي أحاطت عبسلام فبدا كبعض آلهة سومر و إن بأجنحةٍ رقيقة. حينَ عاد الظلّ ظلّين كان عبسلام قد أوغل في الصحراء يقفو أثر الدّرب التي ستنهي رحلة الإيمان و تسمو به إلى علّيين. فجأة، و مع غياب الشفق تماما، خرج له من الاأين... -قفْ مكانك! و رفع الرّشاش في وجهه. كان أقربَ إلى خيال، بدا كإنسان أحاط وجهه بقناع و عليه قميص بالكاد يتجاوز ركبتيه و سروال كأنه سُرِقَ من عبالرّحمان، و تحت الحجاب لحية نفرت بع...
 مذكرات عبسلام الموسم الثاني الحلقة20 على حافتيْ الطريق تجمهر حشدٌ من الناس لتحية الموكب، و ارتفعت أصوات هنا و هناك بالتكبير تتخللها أصوات استغاثة لم يتبينْ عبسلام كنهها جيدا. و ما أن أدركوا المُصلّى حتى ضجّ المكان بالصراخ و اختلطت نداءات التلبية بالتكبير بالاستغاثة، و استطاع عبسلام تمييزها هذه المرّة بسهولة. و في هذا، كان صاحبنا يلازم مقتدى كظلّه حتى أنّ كثيرًا من الأيدي امتدّت له بالسلام أو باللمس طلبا للبركة، و كأنه انزعج قليلا حين طالته يعض الكُفوف تتلمس مؤخرته الزكية لولا أن رآهم بعد ذلك يمررونها على وجوههم و لحاهم فاطمأنّ قلبه و شعر بالفخر و تنزّلت عليه السكينة من كل اتجاه. و بعد أن أقيمت الصلاة اختلى بالزعيم في مقصورته. تنحنح الزعيم و حمدل و حوقل و عبسلام على أثره يُردد ما يقول، حتى إذا صلّى و سلّم تبعه عبسلام على مضض، و أسرّها في نفسه. قال مقتدى: -اكراما لشيخك و لك، و قد انتهى إلينا أنباء عظيمة من كراماتكم أهل منبليزير، وافقنا على رسالة حبيبنا أبي سُميّة بكل مودّة و رضا، و إنّي رادّك بهدية عسى يفرحُ المؤمنون، فقم معي نتخيّرْ لشيخك عربون محبّة لائق م...
مذكرات عبسلام الموسم2 الحلقة19 ظلّ عبسلام يتسكّع على غير هدى في الشوارع الفارغة ساعة لا يدري ما يفعل حتى لمح عجوزا يدبّ على عصاه. سأله بتودد: -يا أبت، إنني غريب هنا و أريد لقاء السيد مقتدى الصدر، فهلا أرشدتني؟ تفحصّه الشيخ بنظرات عمشاء برهة ثم استأنف دبيبه و هو يُدَنْدِن:  -شكو ماكو، شكو ماكو... حتى غاب، و عبسلام واقفٌ وسطَ الطريق يحك رأسه حائرا مبَلّما. و فجأة، امتلأ الطريق بأناس يصيحون و يتراكضون... سأل عبسلام أحدهم: -يا أخ، شكو ،شصار؟! -ماكو شي، جر من كدامي عمى بعينك، مو شايف مقتدى معدّي! غافله عبسلام مبتعدا ثم اخترق الموكب فجأة و تعلّقَ بركاب الزّعيم. صاح مقتدى: -هيه واشرايد يا مخبّل، سليمه اتّكررفك.. صرخ عبسلام حين انقضّ عليه الحرس يبعدونه: -أني عبسلام جاي من عند الشيخ، و معي رسالة لك. قال الزعيم: -خلّوه، يالله ما صار شي، شبيك يا عبسلام؟ -يشبشب بيك و القطاطس تلعب بيك، درّ... فجعتني! -كواك الله، اركب يا عبسلام و بعد صلاة الفجر نحكي. ثمّ أردفه خلفه و مضى الموكب.
مذكرات عبسلام الموسم2 الحلقة18 مرّت الليلة في الدير بسلام، أكل عبسلام من لحم المسيح و ارتوى من دمه بعد قرَم حتى أصابته التخمة، ثم، يخلو حفظه الله بنفسه يمصّ ريقه و ينشد أشعارا يحفظها حتى بلغ قول الشاعر: تـرى عنـدنا ما يُسخِطُ اللهَ كلّهُ__من العمل المرْدِيْ الفتى ما خلا الشِّرْكا و ما كاد يتم البيت حتى انشقّ الحائط من أمامه و أضاء القبو بنور مبهر جعل عبسلام يغمض عينيه بيديه. صاح الصوت: يا دير حنة من ذات الأكيراح__ من يصْحُ عنك فأني لست بالصاحي يعتاده كل محفوف مفارقه__ من الدهان، عليه سحق أمساح كاد قلبه أن ينفطر لولا بأسه الشديد في مثل هذه المواقف، و هو ما أضحى معروفا عنه، قال: -ويحك يا زوبعة، قد عرفتك! كدت أن تهلكني، كيف حالك و ما أحوال التوابع و الزوابع في هذا الزمان، إن شيخي ينتظر عرفاءكم للمبايعة، فأخبرهم متى رجعت. أسقط في يد زوبعة كأن أحدهم أهال عليه سطلا من الماء البارد فأخمد نوره فبدا كالتيس الذي هزُلَ للتوّ. -قد أعلنت ولائي لك و لشيخيك، يا لكراماتكم أهل منبليزير! أما أفزعتك يا سيد عبسلام؟! -قد ربط شيخي على قلبي و رُكبَتيَّ فأصبحت مُصفّحًا...
مذكرات عبسلام الموسم2 الحلقة17 نام عبسلام في السيارة تحميه روح شيخه التي ظلّت ترفرف حوله. كانت الرحلة طويلة جدّا و النعاس الذي غشيَ عبسلام كان أمَنَةً نَزَلتْ عليه من الأعالي، فما شقَّ عليه السّفر. حتى أنّه راح يَشْخَرُ و قد مالت عُنُقُه فوق الكرسيّ. فجْأةً شعرَ  كأنه يطير... و انتبهَ و قدْ طاشَ عنه الكرى و إذ مُؤخّرتُهُ في الثّرى و نسيم رطْبٌ برائحة الماء المُتَرقرقِ يُداعبُ ما تناثرَ من شعرات رأسه... الحقيقةُ أنّ ما تهيّأ له كانَ صدمة جعلته يفغرُ فاهُ إلى منتهاه حتى أن ذُبابةً كادت أن تضلّ مسارَها إلى الظلمات. كان عبسلام جالسا على مؤخرته بين الرّصافة و الجسر... مشهدٌ أعاده إلى سنوات الجمر، مشهدٌ لن يُكَرّرَه الزمانُ أبدا. انقلبَ عبسلام ساجدا و مكثَ يُجمّع شتات ما يَرى كما أوّلَ مرّة ذات تاسِعٍ من أفريل و عيناه مُسمّرتانِ أمام صنْدوق الشّيطان... قال عبسلام: الأيام دُوَل... ثم انتصب واقِفًا، قال: -لأبدأنَّ جولتي بالكهرمانة و عصابتها ثم الشارعَ الذي يحمل اسم وطني و منه أتسكّع قليلا هنا و هناك و لألتحفنّ السماء هذه الليلة أو أتَجَرْهَمَ على بعض الأديرَة و ...
مذكرات عبسلام الموسم2 الحلقة16 و غرقَ عبسلام في النوم حتى لا يدري كم لبث. و في أحلامه تراءى له طيف شيخه: _يا عبسلام، كم لبثت! -يوما أو بعض يوم يا شيخي... -بل هي أيام يا ولدي، فانظر إلى نفسك إذْ تتأوّه، و انظر إلى لحيتك، ثمّ انظر إلى ثيابك كيفَ تلطّخت... -أعلَمُ يا شيخي أنّكَ أحطت بكل شيء علما -لا حرج عليك يا ولدي، قم الآن إلى النّهر فاركُضْ برِجلك، فإنّ لك فيه مغتسل باردٌ و شراب. كرع عبسلام و اغتسل ثم جلس إلى جذع النخلة يهزّه فَيسّاقَطُ عليه الجنى فيمزجُ رطبه بالفراولةِ و يسوغها بجغمةِ ماء طهورٍ ينزل على قلبه هنيًّا مريّا. قال عبسلام: أُبْرِدُ بالظّهر ثم أنطلق، و لأصلّيَنّ العشاء في مدينة الصّدر. و فجأة نادى المنادي من قبل المغرب: -بل لتسيرَنَّ من حينك هذا إلى الشام في خمس ليالٍ لا تزيد، تقابل حبيبنا في الله أبو محمد الجولاني ثم تعود، فابحث لك عن رافع بن عميرة الطائي يدلّك إلى البوكمال. قال عبسلام: تالله لقد جُنّ شيخي و أصابه الخرف، أيحسبني خالد بن الوليد! حسبيَ الله و نعم الوكيل... ثم قام يحثو التراب على قَوْبَعَتِه. و لن نسرد وقائع الرحلة الشامية هنا...
المقامة الأخروية حدّث زكرة قال : لمّا نَفخ النافخ في البوق، و شَرقتْ بالدماء العروق، و سُدّت كلّ الشقوق، قمت أنتفض كالمخنوق، فإذا الأحباب ملؤوا الطريق، و قد بانت عوراتهم، و انكشفتْ مؤخراتهم، شُعْثًا صُفرا، غُرْلاً غُبْرا، إلا شيخين، عليهما حُلّتين، وُشِّيَتَا بصورتين: نخلةٌ مُنمَّقَه، و حمامةٌ مُطوَّقه، و قد غَذّا في السّير و سَبّحا، حتى ابتعدا و أشبحا، و خلفهما رجلٌ حِمْريتٌ، كأنه العفريت، قد أكفتَ شُلْغُومَه، و لَفّ به وسْطَهُ و حَيْزومه، و حثَّ الخُطى يَقْفو، يُهرول حينًا و يهفو، و في يده مرزبّةٌ ثقيلة، أخذها بالحيلة، من الأزَبِّ الأقرع، بعد أن جادَلَهُ و أقتَع، أن وسائل الإنتاج مُشاعة، و مِلكٌ للرّفاق في الجماعة، و أنّ العنفَ للدّولةِ حصْرًا، إذَنْ فالمرزبّةُ للكَمَرادِ حكْرًا . و الأرضُ يومئذٍ غيرُ الأرض، أقربها إلى الطّولِ من العرض، قاعٌها قدْ صَفْصَف، لا نَبْوَةَ فيها و لا رَفْرَف، إلاّ شَعْرٌ مُهَفْهف، و لَحْمٌ مُطَفْطَف، مَلَأَ العًرَصات، و سالَ إلى الجنبات، و الَحرسُ حينئذٍ صافّات، و الشمسُ قابَ قوسين، و الرّيحُ "خَماسين"، و الغبارُ ملأَ العينين، لا...
مذكرات عبسلام الموسم2 الحلقة15 انطلَقَ عبسلام كالرّيح المرسَلة، يصل الليل بالنهار و ما مسّهُ من لُغوب. و كان إذا شارف قرية توقّف يُصغي أذانها فإن سمع ما يعرف دخلها آمنا مطمئنّا فيُدرك صلاة القوم و طعامهم و إلا فرّ فراره من الطاعون. و ذات مساءٍ دخل قريةً عَلَىٰ حِينِ   غَفْلَةٍ   مِّنْ   أَهْلِهَا   فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هذا مِن شِيعَتِهِ وَهَذا مِن عَدوِّهِ... فوكزه عبسلام و أصبح خائفا يترقّب. قال عبسلام: صدق شيخي، فقد حذّرني من هذا و إنه يعلم من الله ما لا نعلم، و من يؤْتَ الحكمة فقد أوتيَ خيرًا عظيما. و انطلق مُولّيا وجهه قبل المغرب ساريًا بين الظلال كرُوحٍ هائمةٍ تبحثُ عن قرار. و خطر له أن يُعرّج على الأهواز لولا أن رأى بُرْهان شيخه فخافَ و ارْعَوى، قال في نفسه "لوددت أن أعْبُرَ منها إلى البصرة فأقبضَ قبْضَةً من أثر الملاكِ، كذلك سوّلت لي نفسي، و لكن تجري الرياح بما لا يشتهي عبسلام". و مضى يُدركُ مِحجَّتَهُ يَرْمِلُ رَملا. حتّى بَلَغَ ناحِيَةَ هِبْهِبْ و غَلَبَه النّعاس فنام في بستان الفراوله بين الباسقات ذات الطلع النضيد. ...
مذكرات عبسلام الموسم2 الحلقة14 عند الضحى كان عبسلام على قمة الجبل يُشرف ببصره على المدينة و قد فتح ذراعيه و ملأ صدره من الهواء البارد النقيّ المشحون بالرطوبة و لبث كذلك حينا فبدا كأنّه يترنّم: So I'll kiss the air, And hope it finds you well. Goodbye ثم جلس على التراب و أغمض عينيه كمن يستطلع المكان بحواسّه الباطنة. لبث كذلك دهرا... إلى جانبه كانت مغارة و عين ماء كالجمان. ""معروف أنّ هناك أناسا يبحثون عن الوحدة كالتائبين و الفاشلين و القدّيسين و الأنبياء" اليوم عبسلام كلّ هؤلاء معا. عبسلام اليومَ يريد أن يكون أقرب للربّ. ظل كذلك مستغرقا في نفسه، ذائبا كلّيا في وجوده، لا يعكّر صفوه شي، جثمان في حالة وفاة،خَفْقُ قلبه في أدنى مستوى و أنفاسه بالكاد تُرْصد. ذاب عبسلام في مقامه الصخري حدّ الفناء مستمتعا بلذّة الحلول الأبدي فكأنّما كلّ حواسّه في حالة انْعَاظِ شبقيٍّ ما تناهى إلى مُتصّوِّفي العالم  قبله، و لن يفعلوا بعده. مضت أيام و عبسلام في حالة هُيام روحيّ و محيطه ملكوته حتى ملّ الانعاظ و كَلَّ حدّ الارتخاء. ذات سحر، و بين النوم...