Accéder au contenu principal

ميشلان مرة أخرى

- تلك الليلة سكر ميشلان حتى لو قيل له حلّقْ لحلّقَ زاهدا في غده.
في ليلة سابقة وصفه المديوني بالعاجز، قال أن أباه –عم الهادي- كان يشرب الثمانية و العشرة دون أن يقوم من مكانه أو تضطرب له إبرة، و منذ ذلك الحين تعلّم ميشلان الصّبر و المثابرة.
لكن الليلة مميّزة.
عاد رشيد بما استطاع أن يُقايض به بائع الخمر خلسةً، صندوقان من الجعة و حارتان من المرناڨ، و قال وهو يُبرز صدره: صفقة رابحة! و أخرج قرطاس الحمص من جيبه.
و جاء البُقراج بأربعين قارورة جعة و ثلاث أو أربع ذات حجم كبير لم نتبَيّنْ نوعها في ذلك السّواد الذي ينشئه اللون الأخضر.
و التحق الكَرَع بالمجلس و قد حشر قارورتين في كيس خَلِقٍ قال أنهما من المقطّر نجتا من عرس ابن عمّه بفضل خطّة ذكية.
و كان اسماعيل نجم القعدة بلا منازع و هو العائد من مرسيليا محمرّ الوجه بالنعمة لذلك تصدّر المكان و دُحيَ صندوق الدّجاجة أمامه، كيف لا و قارورة ويسكي بين قدميه و أخرى لا أحد يعرف اسمها وراء ظهره و علبتان من الحشيشة مكتوب عليهما "كبشان" بخط أسود رديء تتطاولان كالبنيان المرصوص!
افتتح اسماعيل الجلسة بنخب ويسكي أداره على الجميع ما أن أنهى رشيد تَزْهير الكانون في الخارج، و كان يصبّ و يُقسم أنّ لا شيء في الدّنيا مثل رؤية الأصحاب و استعادة ذكريات "الميزيريا" الهاربة. قال: أتعرفون! أقسم أنهم هناك لا يشربون أكثر من كأس أو كأسين فإن أنهوا الثالث تقاذفتهم الجدران! تبّا لهؤلاء اليهود!
قال أحدهم: الحاج الطّيب يقول أن الشّراب حرام
ردّ سي يوسف: "يحرّم جلدو". رغم أنّه لا يشرب أبدا، وشبك أصابعه خلف ظهره و انصرف.
سئل سي يوسف مرّة: ألا تعرف أن شاربه و جالسه ملعونان؟
قال: لم يقل "و واقفه" يا حمار!
و حين دارت كؤوس المرناق كان ميشلان قد عرق تماما فتظاهر بإبعاد الأرنب العجوز إلى الزريبة ليأخذ نفسا من الهواء البارد، و كان ذلك كفيلا بالإجهاز عليه.
و بين القرع الذي يحدثه اصطدام الكؤوس بالقوارير و شُجون الحديث كثر الصّراخ و الهرج و ظهر تأثير البيرّة جليّا في سيل البول الممتدّ رُسُلاً إلى الإسفلت.
حاول ميشلان- بما بقيَ عنده من ثُمامة عقل أن يثبت، فقام مترنّحا و تناول المطرقة و أخذ يطرق شيئا على السندان ثم اختفى في بعض أغوار الڨاراج و عاد يتمايل مع ما بدا أنه هيكل لدرّاجة دون مقود. و بكثير من الجهد ركّب مقود سيّارة إلى عنق الدّراجة.
صاح رشيد في صوت بين الحشرجة و الضحك بشيء لم يتبيّنه أحد لكنهم فهموا أنّه دعوة للتحدّي و هذا ما فهمه ميشلان فراح يصارع قدميه ليستوي على السّرج في حين فتح أحدهم الباب الحديدي.
في الخارج كان الهدوء مخيّما و الظّلام يرقص مع النور على وقع مرور التيّار الكهربائي في الفانوس المعلّق أعلى عمود الطريق. عندما ضغط ميشلان الدواسة دفعه أحدهم دفعة قويّة و سقط على وجهه، لكن الآلة انسابت عبر المزبلة و البطحاء و الطريق لتصدم بالحائط المقابل و عندما أدركوه ادّاركوا فوقه و قد علا شخيرهم ، و لولا أن تبينهم بعض الذاهبين إلى المسجد لظلّوا هناك حتى طلوع الشّمس.

"الويسكي غدّار" قال البوقراج و هو يحاول أن ينفض التراب عن مؤخرته محاذرا لطخة القيء بين قدميه.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...