Accéder au contenu principal

في ربى الجنان 8

 و كان يوما طويلا، فرحت أحصي الساعات و أعد الدقائق على الجمر، و النّهار يتمطّى بين لمّا و حتّى، و الشوق يستعر و أنواط القلب له وقود، فانطلقت أطّوف في البادية، و أبدد النهار بين روحة و غادية و أستدني موعد النوم و إطلالة الحلم.
و حلّ الليل بجند كالسّيل فأطبق على الأجفان النوم، و انتهى اليوم، و رأيتني في جنّتي بين صحبتي و عيبتي، في حوزتنا النّدية ، و كورتنا البهيّة، و الأمر بيننا شورى، و القوارير بين ذلكم عقرى.
قال أحد الرفاق: ألا إنّ الهيئة لقاح لا يحكمها ملك و لا يتورّك عليها ورك، فالرأي الرأي.
قال فتى كانت تبدو عليه علامات الحياء: نهجم عليهم و نضربهم ضربة رجل واحد و نحرر أصحابنا و نصل أحبابنا.
-بئس الرأي هذا، صاح شيخ من بعيد.
فاشرأبّت أعناقنا إلى الرجل، فإذا هو في ثوبٍ قد جُبَّ، و لحافُ رأسهِ قُبَّ، و بين يديه شيئ كالدُبّة، يتلقلقُ فيها بقيّةُ صُبّة، قد استطالت عفنقته و عظمت زُبرته، و عليه وقار و سكون، و لا ندري من يكون.
فصحت: بربّك من أنت! أمن العجم أم من العرب؟
هات انتسب!
قال: أنا شيخُ نجد، لولايَ لما تقلّبتم في الرغد، و لا ذقتم رحيقا و لا قند، فشنّفوا الآذان، تفقهوا البيان،
شاغلوهم بالمقال و ألحّوا في السؤال، و استدرجوهم بالجدال، حتى تستوطن الألفة، و تُرفع الكلفة، فحينها يغضّوا عنكم الأطراف و يقبلوكم على الأعراف... فالقطاف القطاف!
و ضجّ القوم بالتكبير حتى اهتزّ من تحتنا السّرير.
كلّ هذا و جاري في النّعيم، على هدوءه يقيم، يمزّ تارة من زجاجة، و يقطف طورا من ديباجة، لا يعيرنا اهتماما و لا يُعْبِرُنا كلاما، فهمزته:
يا ريّس، ألست الشيخ المؤسس! قم فاحكم في هذا اللجاج، و أضأ لنا السراج.
فهبّ الشيخ يُفصح بعد أن تنحنح:
-أما النجديّ فقد صدقكم المشورة و قرّب لكم الصورة، لكن الرّأي التمام من حسن النّظام، أقبلْ يا غلام...
 و مارتدّ لنا طرفٌ حتى برز لنا الفتى.
و ذاك عهدي بالرؤى، و المؤذّن يُرْجِعُ في النّداء.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...