و كان يوما طويلا، فرحت أحصي الساعات و أعد الدقائق على الجمر، و النّهار يتمطّى بين لمّا و حتّى، و الشوق يستعر و أنواط القلب له وقود، فانطلقت أطّوف في البادية، و أبدد النهار بين روحة و غادية و أستدني موعد النوم و إطلالة الحلم.
و حلّ الليل بجند كالسّيل فأطبق على الأجفان النوم، و انتهى اليوم، و رأيتني في جنّتي بين صحبتي و عيبتي، في حوزتنا النّدية ، و كورتنا البهيّة، و الأمر بيننا شورى، و القوارير بين ذلكم عقرى.
قال أحد الرفاق: ألا إنّ الهيئة لقاح لا يحكمها ملك و لا يتورّك عليها ورك، فالرأي الرأي.
قال فتى كانت تبدو عليه علامات الحياء: نهجم عليهم و نضربهم ضربة رجل واحد و نحرر أصحابنا و نصل أحبابنا.
-بئس الرأي هذا، صاح شيخ من بعيد.
فاشرأبّت أعناقنا إلى الرجل، فإذا هو في ثوبٍ قد جُبَّ، و لحافُ رأسهِ قُبَّ، و بين يديه شيئ كالدُبّة، يتلقلقُ فيها بقيّةُ صُبّة، قد استطالت عفنقته و عظمت زُبرته، و عليه وقار و سكون، و لا ندري من يكون.
فصحت: بربّك من أنت! أمن العجم أم من العرب؟
هات انتسب!
قال: أنا شيخُ نجد، لولايَ لما تقلّبتم في الرغد، و لا ذقتم رحيقا و لا قند، فشنّفوا الآذان، تفقهوا البيان،
شاغلوهم بالمقال و ألحّوا في السؤال، و استدرجوهم بالجدال، حتى تستوطن الألفة، و تُرفع الكلفة، فحينها يغضّوا عنكم الأطراف و يقبلوكم على الأعراف... فالقطاف القطاف!
و ضجّ القوم بالتكبير حتى اهتزّ من تحتنا السّرير.
كلّ هذا و جاري في النّعيم، على هدوءه يقيم، يمزّ تارة من زجاجة، و يقطف طورا من ديباجة، لا يعيرنا اهتماما و لا يُعْبِرُنا كلاما، فهمزته:
يا ريّس، ألست الشيخ المؤسس! قم فاحكم في هذا اللجاج، و أضأ لنا السراج.
فهبّ الشيخ يُفصح بعد أن تنحنح:
-أما النجديّ فقد صدقكم المشورة و قرّب لكم الصورة، لكن الرّأي التمام من حسن النّظام، أقبلْ يا غلام...
و مارتدّ لنا طرفٌ حتى برز لنا الفتى.
و ذاك عهدي بالرؤى، و المؤذّن يُرْجِعُ في النّداء.
Commentaires
Enregistrer un commentaire