مرّ رشيد يدفعُ الكرّوسة ذات العجلات الهوائية أمامه،
يمسك طرفها بيد و يدفع بالأخرى و يترنّح معها يمنة و يُسرةً و كلّما بدّل خطوة
راوح بين يديه.
و لمّا دفع العربة إلى البطحاء انغرست عجلاتها في التراب الميّت غير
بعيد عن باب الڨاراج المردود فتوقّف
و مسح جبينه ثمّ تقدّم، لكنّه عاد ليكوّم شيئا من التراب على بعض عظام بقيت
مكشوفة عند طرف المزبلة. البارحة كانت ليلة صاخبة كغيرها و لحم الدجاج لم يستوِ
جيّدا على الفحم الذي سرقه "الدّحّة" من مخزن منزلهم، كان الفحم خليطا
من خشب اللوز و أصول الزيتون التي قلعها أبوه السنة الفارطة خلسة عن عيون العمدة و
جماعة المراقبة الفلاحية، و هذا الفحم رديء يثير الكثير من الشرر و الدخان فيجعل
كل ما يحيط به منقطا بالأسود.
دفع رشيد الباب الحديدي و مضى يلتقط القوارير الفارغة
المتناثرة هنا و هناك، و حين جمعها في كدس نقلها على مراحل إلى الكرّوسة و انطلق إلى
بعض أطراف القرية حيث سيبادل هناك التي أزهقت أرواحها بأخرى ذات أرواح.
رشيد و
ميشلان تربان، و إن جمعت بينهما قرابة ليست بالبعيدة فإنّ ما يربط بينهما أكثر هو النظرة الفلسفية المعقّدة لتبسيط الإشكالات
التكنولوجية في صنفيها الإلكتروني أو الميكانيكي أو كلاهما معا، رغم أنهما انقطعا
عن التعليم منذ السنوات الأولى، و هو ما سيحدد شخصيتيهما في المستقبل و الستة أشهر
سجنا على خلفية صناعة و مسك أسلحة غير مرخص لها، و لا أحد يعلم كيف نجيا من تهمة الإرهاب
في سنوات الجمر المباشرة تلك، رغم أنهما لم يتصلا إلى الآن بــ"هيئة الحقيقة
و الكرامة".
Commentaires
Enregistrer un commentaire