كان يوما جميلا تدثّر بأحلام الرّبيع و سرقت سماءه من
شمس الصيف شعاعها و اخضرّت أرضه برداء الجِنان، و كنت أمشي على البساط النّديّ حتى
أخذني شيء من التّعب إلى ربوةٍ أصابها طلّ فأبرشت و أزهرت إعصارا من ألوان و فيضا
من طنين، و هناك اتّكأت و أسلمت خاطري يرْبَعُ و ينُطّ.
و وجدتني في عليِّ الفردوس و ما في الصّدر ضيقٌ أو غُنوص،
و قد انشرح الأفق فما أخفى و لا درق و البساط ينساب بي في الأثير بين الأنوار و
العطور حتى ألفيتني جنب السّور من الجانب الذي بُطّن بالرحمة و تكدّست أسفله
النّعمة، و إذا بالحرس العتيد، و عيونهم بالغيظ تقيد، قد اصطفوا غير بعيد، و في
أيديهم كلاليب من حديد محمّى يزجرون بها من تحدثه نفسه الإباق و مجاوزة الرّستاق،
فيردّونهم في السّعير، و يبُكّوهم في الحفير.
صحت أنادي الهاتف: يا أخ، هل لنا في فرجة من قريب، فوربّك
إنّ هذا لشيء عجيب!
قال الهاتف من وراء الحجب: يا شيخ هل أنتم مطّلعون، إلى
سواء الجحيم؟
فاطّلعت فإذا أقوام أعرفهم بسيماهم، فلان و فلان، فرفعت
عقيرتي أناديهم حتى كاد صوتي الجميل أن يبحّ و حلقي الرقيق أن يكحّ لولا أن انتبه
أحد المخاطَبين فقطّب لمرآيَ الجبين، و همّ أن يقذفني بشواظ من غِسْلين، لولا أن
أفاق من سكرته و انتبه فجأةً من غفوته، فكفّ عن التّوبيخ و همّ بالتلويح، بيد
ناضجة كالفحم خالية من اللحم، فأشرت له أن يُجالد و يصابر، فإني سأوعز إلى الهيئة
أن تنظر في الأمر، فإنّا منقذوه لا محالة من الجمر.
ثم همزت البساط بلكزة من السبّاط و عدت أستفزّ أهل الهيئة
و أستثير فيهم الحميّة، لنمكر مكرا، و نبيّت أمرا، و نقارع بيننا كؤوسا من خمر.
و استفقت فإذا بي مبطوحٌ بين الخمائل و الزهور و قد وخزني
في قفايَ دبّور.
Commentaires
Enregistrer un commentaire