ترك النّار تأجج نفسها و تصارع جمر الشمس المنسكبة من السماء و انتصب خطيبا في الحاضرين، سي عمر و ابناه و كلبان
بسطا ذراعيهما غير بعيد.
حدّث عم صالح:
ليكن في علمكم، قد تحدث أشياء
عجيبة فلا تتعجبوا و لا تتولّوا! مهما رأيتم أو سمعتم فلا تتكلّموا و لو همسا، لا
تفتحوا أفواهكم حتى تثاؤبا، و من حدّثته نفسه بالعطاس فليكتمها بيده هكذا و من
دغدغته نُخامة أنفه فليبتلعها، فإنّه من فتح فاه أضاع الكنز و لو كان في يده.
"قد نبّهت فلا تلوموني، و من
أنذر فقد أعذر"، قالها مقلّدا مفتي هلال رمضان.
ثمّ استبق إلى ما تبقّى من وشم الطلسم
تحت الخرّوبة العجوز. تأمّل الرّسوم و راح يحصي خُطواته مظاهرا الشجرة المعمّرة
نحو الإجاصة التي لا تزال نضرة و إن فقدت ثمارها.
-بركة، اثنين، ثلاثة... عشرة
و كزّ على رباعيتيه مشددا حرف
الشين ليوائم بالشّدّة ارتكازة خُفّ قدمه على كَسْرَةٍ خزفيّةٍ بدا وجودها مغروسة
هناك طالع خير.
-ابدؤوا الحفر هنا،
و رسم بمقدّم بلغته حولها ما يمكن
احتسابه دائرة متراميَةً أقطارُها.
-من الآن يُمنع الكلام، أعطني
الفأس...
بسم الله.
و هوى مفتتحا المشروع.
تركهم لعرقهم يروون به آمالهم و
فاء إلى الظلّ و تربّع تاركا لحنجرته المدى تملؤه بتراتيل لا يفكّ سرّها أحد غيره،
و بين الفينة و الأخرى يقذف بطرف أصابعه شيئا إلى النّار، فيحدث ذلك دويّا أو
قرقعةً أو دخانا يتغيّرُ لونه بين رمية و ثانية و أحيانا يطوف حولها رافعا يديه
حتى يُرى بياض إبطيه المنتوفتين.
حقيقةً الصّورة لا تكتمل إلا إذا
تخيّلت أحد الشّامانات في بعض سهوب آسيا أو أدغال إفريقيا يستمطر لقبيلته أو يدرأ
عنها عدوّا.
و ستتضح الصورة تماما لو ألبست
خيميائيا عمامةً و دسست في جيبه كيسَ دراهم.
تركنا "لحمر" عند
الرّبوة كامنا مع حماره ينتظر ابتعاد امرأة سي عمر، و هاهي تغذّ الخطى مبتعدة فلا
تسمع منها إلا صوت ارتداد نعلها على قدمها.
ما أن اطمأنّ حتى أسرع متجاوزا
سواتر الحدود الفاصلة و صفيحة الكاز تترنّح في يده حتى بلغ مَجْمع الأكواخ الفارغة
من سكّانها أين تناهت إليه طرقات الفؤوس و روائح الدّخان.
Commentaires
Enregistrer un commentaire