Accéder au contenu principal

وحش الفلاه 18

ترك النّار تأجج نفسها و تصارع جمر الشمس المنسكبة من السماء و انتصب خطيبا في الحاضرين، سي عمر و ابناه و كلبان بسطا ذراعيهما غير بعيد.
حدّث عم صالح:
ليكن في علمكم، قد تحدث أشياء عجيبة فلا تتعجبوا و لا تتولّوا! مهما رأيتم أو سمعتم فلا تتكلّموا و لو همسا، لا تفتحوا أفواهكم حتى تثاؤبا، و من حدّثته نفسه بالعطاس فليكتمها بيده هكذا و من دغدغته نُخامة أنفه فليبتلعها، فإنّه من فتح فاه أضاع الكنز و لو كان في يده.
"قد نبّهت فلا تلوموني، و من أنذر فقد أعذر"، قالها مقلّدا مفتي هلال رمضان.
ثمّ استبق إلى ما تبقّى من وشم الطلسم تحت الخرّوبة العجوز. تأمّل الرّسوم و راح يحصي خُطواته مظاهرا الشجرة المعمّرة نحو الإجاصة التي لا تزال نضرة و إن فقدت ثمارها.
-بركة، اثنين، ثلاثة... عشرة
و كزّ على رباعيتيه مشددا حرف الشين ليوائم بالشّدّة ارتكازة خُفّ قدمه على كَسْرَةٍ خزفيّةٍ بدا وجودها مغروسة هناك طالع خير.
-ابدؤوا الحفر هنا،
و رسم بمقدّم بلغته حولها ما يمكن احتسابه دائرة متراميَةً أقطارُها.
-من الآن يُمنع الكلام، أعطني الفأس...
بسم الله.
و هوى مفتتحا المشروع.
تركهم لعرقهم يروون به آمالهم و فاء إلى الظلّ و تربّع تاركا لحنجرته المدى تملؤه بتراتيل لا يفكّ سرّها أحد غيره، و بين الفينة و الأخرى يقذف بطرف أصابعه شيئا إلى النّار، فيحدث ذلك دويّا أو قرقعةً أو دخانا يتغيّرُ لونه بين رمية و ثانية و أحيانا يطوف حولها رافعا يديه حتى يُرى بياض إبطيه المنتوفتين.
حقيقةً الصّورة لا تكتمل إلا إذا تخيّلت أحد الشّامانات في بعض سهوب آسيا أو أدغال إفريقيا يستمطر لقبيلته أو يدرأ عنها عدوّا.
و ستتضح الصورة تماما لو ألبست خيميائيا عمامةً و دسست في جيبه كيسَ دراهم.

تركنا "لحمر" عند الرّبوة كامنا مع حماره ينتظر ابتعاد امرأة سي عمر، و هاهي تغذّ الخطى مبتعدة فلا تسمع منها إلا صوت ارتداد نعلها على قدمها.
ما أن اطمأنّ حتى أسرع متجاوزا سواتر الحدود الفاصلة و صفيحة الكاز تترنّح في يده حتى بلغ مَجْمع الأكواخ الفارغة من سكّانها أين تناهت إليه طرقات الفؤوس و روائح الدّخان.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...