و ليُخفيَ الرّعب الذي غشي
ملامحه مرّر يده على وجهه كأنه يصلّي على النبيّ ثم هجم بالقول:
-أهلا سي عمر، شغلتني
عليك، خفت أن لا تعود و تفرّط في كنزك أو أن يداهمنا الوقت، هاه، ماذا فعلت؟
-كلمة رجال يا عم صالح، قلتُ نهار السوق أكمل لك المبلغ و ها أنا ذا.
و أخرج من جيبه حزمة
أوراق.
تناولها وحش الفلاه و دخل
حانوته ليعدّها بينما ظلّ سي عمر يرقبُه بعين ثابتة.
-هذا لا يكفي!
و حشر المبلغ في درج
الطاولة و أدار المفتاح.
-و لكن اتفقنا على ثمن
ثلاث كباش!
-كلا يا سي عمر، كان ذلك
ثمن البخور، لكننا لم نتحدّث عن ما ستعطيني.
-و كم أجرك يا عم صالح؟!
-ليس أجرا، و لا يحقّ لي
أن أتقاضى أجرا، سمه هبةً أو عطاءً، فقط "بيّضلي كفّي"، ذلك شرط لنجاح العملية.
حكّ سي عمر رأسه مرّتين من
تحت كبّوسه رافعا حاجبا و مغلقا عينا ثم مال بشقّه الأيسر و أخرج من جيب بلوزته حافظة
أوراقه الجلدية و عدّ وُريقاتٍ قدّمها بيدٍ ثابتة لوحش الفلاه، و وحش الفلاه تلمع
عيناه بلذة النّصر. ثم ليُبرهن على مدى كرمه يدفع إليه بأخرى و يدسّها في يده
كأنّه يفرضها عليه فرضا.
أخفى الوحش المبلغ عند صدره
و مدّ يده مصافحا:
-تمّت الشروط... على بركة
الله!
و أطال المصافحة لافّا كلتا
يده على يد الزّبون الكريم.
-يوم الاثنين فجرا... جهّز
كلّ شيء و لا داعي للفأس الذكر، يمكنني تدبّر الأمر، و لا تنسَ الزّهومة يا سي
عمر! و لكن على أهلك أن يغادروا المكان ما أن يجهز الفطور... قد تحدث أشياء رهيبة،
فلا تترك النساء قريبا من المكان!
و هكذا غادر سي عمر قرير
العين راضيا يعبّد الأمل طريقه نحو الأفق.
ما أن غابت البهيمة
براكبها و ابتلعها سراب الطريق حتى سحب محفظة الجلد من الرّفّ ثم تفقّد بعض
الأوراق و سوّى جبّته و كبّوسه و أوصد باب الحانوت و نادى بالمعتمدية مصوّبا
العقبة. و حين مرّ من أمام حلقة عم الهادي أمام الڨاراج لم يسلّم، بدا هذه المرّة مسْتعجلا
أكثر من غيرها، قاربت الساعة العاشرة و عليه أن يسرع أكثر ليدرك السيّد المعتمد، فيوم
السوق تزدحم المعتمدية بأصحاب الحاجات و عليه أن يتصرّف لمقابلة الموظّف الأعلى
سلطة.
قال عم الهادي ساخرا
مخاطبا الحلقة:
-ميمونة تعرف ربي و ربّي
يعرف ميمونة
و ضحك القوم.
Commentaires
Enregistrer un commentaire