Accéder au contenu principal

وحش الفلاه 16


 يذكر كبار السنّ أنه بعد انتصاب الحماية و تحقق شيء من الأمن تخلّت الكثير من المدن و القرى عن حصونها و أسوارها و مدّت أذرُعها تتحسس البطاح المجاورة و أعلنت سُفورها على الطريقة الفرنسية.
أما قريتنا فواصلت رقصها غير عابئة بسلطة القصور، راسمة حلقات من غبار حول حزامها في دأبٍ موصولٍ لترويَ عطشَ المستقبل من ماءٍ أجاجٍ أحاط بخاصرتها في تلك المستنقعات التي كانت أسوارَها الحصينة فيما مضى من سالف العصر.
صلّى وحش الفلاه الجمعة مبرّدةً مع العصر في جامع أحلامه و المنبر نصبَ عينه يتأمّل زخارفه و درجاته و يتخيّل الصولجان في يده و سبّابته تفضُّ بكارة الدّعاء و الإسطوانات المتوّجة تتبارق عيونها العنبيّة إعجابا و الثريات الشمعدانية ترفع أكفّها بالتأمين: آمين آمين آمين...
و تذكّر صفيحة الـڨاز[1] و قدّر أنّه سيرسل لملئها بعض الأطفال إلى محطّة الوقود القريبة.
 بعد أن قُضيت الصلاة راودته رغبة جامحة في مواقعة حلمه الآخر فاستدبر المسجد الجامع و يمم وجهه صوب خرائبَ لم يُعفها الزّمان. هذه الأطلال يحجبها عن المصلّى الكبير صفّ من حوانيت أهملت منذ أن أهمل الوطن أبناءه في شوارع باريس و تل أبيب.
توقّف أمام الحانة الموصدة و رفع بصره يتأمّل بقايا الماخور و ما تبقّى من مبنى الدّريبة [2]و خيِّلَ إليه أنه شمّ مزيجا من رائحة البخور و خمرٍ مُراقٍ على البلاط ثمّ استدار و ولج مقهى النادي المبني على أساسات فندق المسافرين في الزمن الغابر و هناك بقيَ يتأمّل أحلامه الرّاقصة في بخار كأس الشاي.
انقضت الجمعة و أزْهِقَ السّبت بالملل و حلّ الأحد، الشوارع خالية و القيظ مخدّر و الشمس قائمة تمطط الساعات و الأجساد و الصّمت مضجر لولا تراتيل الصبية تحت قبّة الكتّاب.
جرّ بلغته مشمّرا جبّته عند كتفه حتى بلغ منزل صاحبه ذاك الذي أوقع سي عمر في شراك الطمع أوّل مرة و اتّفق معه على بقية الخطّة.
و هكذا، حلّ فجر الاثنين.


 أو الكاز و هو ذلك السائل البترولي الأزرق[1]
 المقرّ الإداري للحاكم الذي يعينه الباي[2]

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...