و بعد أن تحلّل الإمام من
إحرامه، و عقّب بصالحات أعماله، تفرّق المصلّون في الرّبع، يبتغون فضلا بالدّفع، و
ازّاورتُ عن صوبهم إلى ركن شرقيّ، لا رطب و لا نديّ، و أقعيت أنتظر، و لا شيء في
الفِكر!
و مرّت عليّ ساعة على تلك الحال
حتى استدار طوق الضياء، و قلّدت الشمس جيد السماء، فباعدت بين ساقيّ، و فرّجت كفّا
يديّ، أستجمّ بالنّور، و أنتشي بالسرور، كَحَنَشِ شهر مارس، فتأدّبوا –يارعاكم
الله في المجالس.
حتى إذا انتضت السهام، و اخترقت
الخِرَقَ و الأكمام، قمت أتكاسل، إذ لا شغل لي و لا شاغل، فالخبز مخبوز، و الزّيت
في الكوز، و الرحمة حقّ للعجوز.
قلت، لأطوفنَّ اليوم بالغُرف، و
لأنامنّ حدّ الشّغف، و لأحلمنَّ بالخشف، و رموشٍ كاسرات ترفّ.
و حين غَسقَتِ الرؤى في الأفق، و
انسابت كالفجر لمّا فلق، وجدتني مع خلاّن الصفا، نبحلقُ في الفتى. قال الشيخ
الرئيس، و قد هدّته حمى الخندريس:
هذا الفتى لُقطة، قد و الله ازددت به غبطة، منذ
ظفرت به ذات عصر، عند أطلال
الحضر، لما كنا محاصرين، في أم الرّبيعين، مع جند أبي بكر، الخليفة الهزبر، نصدّ
طلائع الحشد، و نرميهم في اللحد، و هو فتى مقدام، كريم ابن كرام، ذكّرني بغلام
المغيرة، فاتّخذته ذخيرة، و لعلّ فيها خيرة!
فقاطعه أحدهم ساخرا:
حقّ المرود و الرّشاء، لو ظهرت
الرقطاء!
فحدجه الرئيس بنظرة حتى خلناه
هلك.
ثم قال: بل حق الإزميل و الهاوون،
من عند زوجك المصون، فإنّك ستنقر في السور ثغرة، حتى تحدث فيه حُفرة، نكالا بكَ و
سُخرة.
ألا فقوموا كلٌّ إلى عمل، و
انزعوا ما في صدوركم من غلّ...
و على هذا انتبهت، و لا أدري كم
لبثت، و النهار قد راح، و الظلّ امتدّ و ساح.
Commentaires
Enregistrer un commentaire