Accéder au contenu principal

وحش الفلاه 17

النّجوم الآن تميل إلى السقوط ساحبة معها كرة السماء خلف الأفق، و في انحدارها ذاك يزداد الشّرر المنبعث من عيونها اتّقادا و تتسارع غمزاتها منذرة بيوم آخر من القيظ. بعض السّحب اليائسة في أثوابها الرصاصية تُنهك نفسها زحفا لترسم لوحة فجرِها الأخير.
وصل "لَحْمَر" على حماره و طرق الباب طرقا خفيفا و لم ينتظر كثيرا، كان وحش الفلاه على أتم استعداد للمسير: عدّة البخور في جرابٍ يتدلّى على كتفه و فأس لمّاعة في يده و صفيحة الكاز في اليد الأخرى.
حشر الفأس في شارية الحمار اليمنى و الصفيحة وازى بها الثقل في اليسرى ثم أغلق بابه و أردف نفسه بكلّ خفّة وراء السائق.
و صاح السائق زاجرًا: ارْررر.
بعض خيالات تتمايل في الأسفل هناك عند المفترق، و أحدهم يتقيّأ مسندا رأسه إلى جذع شجرة الصفصاف عند أسفل البطحاء و آخر يتبوّل عند أسفل حائط الجامع،  بينما كان ميشلان يراقبهم من فرجة الباب قبل أن يأوي إلى فراشه، لذلك قرص لحمر شكيمة حماره فراغ يمينا عند أعلى البطحاء و التفّ حول بقايا حوض السبّالة و سار محاذرا السقوط في بعض حفر القناة المهملة.
هناك، في بعض ثنايا الغابة توقّف الحمار و نزل الوحش يتدلّى جرابه من رقبته و بلغته تغوص في الرّمل. سحب الفأس و ألقاها على عاتقه ثم تبادل بعض الحديث مع شريكه و يده الطّليقة تشير في الهواء، و حين تقدّم الحمار في اتجاه الرّبوة التي يحفّها دغل من شجيرات السدر و أجمة من طرفاء ذابلة، حثّ وحش الفلاه خطوه متوسّطا الطريق إلى حقل سي عمر.
دغدغت أنفه رائحة الكسكسي باللحم فكاد يطير مرفرفا بيديه و عرف أن الزهومة من غنم و راحت بطنه تستشعرُ لذَّةَ الوصل.
طلع الفجر منذ ساعة و السحابات التي كانت هناك لم يبقَ منها غير نقطٍ من دماء شاحبة و لمح زوجة سي عمر تعقد غطاء رأسها المورّد و ترمي السفساري تلفّ به جسمها المترهّل و سرعان ما تَغَمْبَزتْ ما أن لمحت القادم الغريب و انسحبت عبر مسلك جانبيّ متجنّبة لقاءه و غابت في اتجاه القرية.
نبح الكلب و سرعان ما تبعه الآخرون لكنّ النباح تحوّل إلى زمجرة غضب متبادلة فلم يرفع أحدها رأسه عن قصعة طعام الصباح، أو لعلها-الكلاب تذكرت كرمه ذاك اليوم لمّا رماها بكسرات الخبز.
هرع ابن سي عمر لاستقباله في حين اكتفى الآخر بالوقوف بينما اعتدل الشيخ في مجلسه و انحنى يُحمّشُ الجمر متعجّلا استواء البرّاد الأول.
و بعد السلام جلس عم صالح على كرسيّ خشبيّ و قرّب إليه أحد الأولاد مائدة خشبية عليها زيت و خبز و بعض المخللات و شفعها سي عمر بكأس شاي تلمع منها عيون الزّبد و يندحر ضوء النهار عند أسوارها.
و دقّت ساعة الجدّ، و شمّر الجميع للحفر، بينما اتخذ الوحش لنفسه مكانا مفتوحا و افتتح الطقوس بنار موقدة.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...