ما كان وحش الفلاه ليغفل عن
قصعة الطعام، و ما كان له أن يُسامح نفسه لو تركها، و لذلك أو قف الحفر بإشارة و
دعاهم إلى الطعام بعيدا في ظلّ شجرة الصفصاف على طرف النّادر.
من لم يشاهد قَبْلاً كيف يحمى
وطيسُ اللقم فلن يتخيّله.
و عاد الجميع إلى مواقعهم
مُخدّرين من الثّقل.
تسلّق "لحمر" جدار
الطوب و صعد إلى حيث يستوي السّقف التّرابيّ الذي غزته النباتات البريّة و نمت و
عرّشت و جفّت في انتظار مطرٍ قد تأتي. و من خلال القصبات الباقية انفتح المشهد
أمامه: الوحش في تجلّياته المفتوحة و سي
عمر يطوف بالحفرة التي ابتلعت ابنيه في عمقها فلا يُرى لهما إلا رمياتٌ واهنةٌ حين
ترتفع المجرفتان متثاقلتان.
قدّر لحمر أنّ هذا هو الأوان.
لحمر نشأ يتيما قائما بذاته، و لم
يتّكل على غير ذراعه. كان يقول: "الثروة الحقيقية هي صحّة البدن و
الحرّية" و راح يعرض خدماته على من يريد، كلّ شيء ممكن مادام هناك جهد و
معرفة، مالا يمكن عمله أبدًا هو انتهاك حرمات الناس و إفشاء أسرارهم. و حين عرض
عليه وحش الفلاه الخطّة لم يتردد، العمل هو العمل مادام يقابله أجر.
راح ينتقي الحجارة التي تملأ كفّه
و يكدّسها عند جدار الطوب و لما رأى أنه جمع ما يكفي أفرغ فوقها من صفيحة الكاز
قدر النصف و أقعى ينتظر الحجارة أن تشرب السائل الأزرق، ثم أوقد على الكدس...
و بخرقة من قماشٍ بللها من آنية
الماء التي يشرب منها الدجاج راح يقذف الحجر الملتهب في اتجاه محدد.
تواصل القذف متقطعا من الاتجاهات
التي تسمح بها سرعة التنقّل و مجال الرؤيا و غياب العوائق، و كان لا بدّ مما ليس
منه بدّ.
في البداية التزم الجميع بالشرط -الصّمت- و احتملوا الضربات، لكن حين شجّت إحدى الرّميات رأس الابن الأكبر داخل
الحفرة انتهى الصّبر.
و صرخ الإبن صرخة مدوّية و زاد
نسق الرّمي، و استغلّ الوحش الفوضى و رمى في النار ما يجعلها تبعث دخانا أبيض كريه الطعم و
الرائحة و تصدر أصواتَ طقطقة حادّة.
و راح يلطم وجهه و يحثو التراب
على جانبيه و يصيح:
-ضاع كلّ شيء، ضاع كلّ شيء.
طبعا "لحمر" عاد إلى
حيث ترك حماره و ماهي إلا لحظات حتى كان يُردِفُ عم صالح خلفه حتى كانا في
الحانوت.
Commentaires
Enregistrer un commentaire