Accéder au contenu principal

وحش الفلاه 19


 ما كان وحش الفلاه ليغفل عن قصعة الطعام، و ما كان له أن يُسامح نفسه لو تركها، و لذلك أو قف الحفر بإشارة و دعاهم إلى الطعام بعيدا في ظلّ شجرة الصفصاف على طرف النّادر.
من لم يشاهد قَبْلاً كيف يحمى وطيسُ اللقم فلن يتخيّله.
و عاد الجميع إلى مواقعهم مُخدّرين من الثّقل.
تسلّق "لحمر" جدار الطوب و صعد إلى حيث يستوي السّقف التّرابيّ الذي غزته النباتات البريّة و نمت و عرّشت و جفّت في انتظار مطرٍ قد تأتي. و من خلال القصبات الباقية انفتح المشهد أمامه: الوحش في تجلّياته المفتوحة  و سي عمر يطوف بالحفرة التي ابتلعت ابنيه في عمقها فلا يُرى لهما إلا رمياتٌ واهنةٌ حين ترتفع المجرفتان متثاقلتان.
قدّر لحمر أنّ هذا هو الأوان.
لحمر نشأ يتيما قائما بذاته، و لم يتّكل على غير ذراعه. كان يقول: "الثروة الحقيقية هي صحّة البدن و الحرّية" و راح يعرض خدماته على من يريد، كلّ شيء ممكن مادام هناك جهد و معرفة، مالا يمكن عمله أبدًا هو انتهاك حرمات الناس و إفشاء أسرارهم. و حين عرض عليه وحش الفلاه الخطّة لم يتردد، العمل هو العمل مادام يقابله أجر.
راح ينتقي الحجارة التي تملأ كفّه و يكدّسها عند جدار الطوب و لما رأى أنه جمع ما يكفي أفرغ فوقها من صفيحة الكاز قدر النصف و أقعى ينتظر الحجارة أن تشرب السائل الأزرق، ثم أوقد على الكدس...
و بخرقة من قماشٍ بللها من آنية الماء التي يشرب منها الدجاج راح يقذف الحجر الملتهب في اتجاه محدد.
تواصل القذف متقطعا من الاتجاهات التي تسمح بها سرعة التنقّل و مجال الرؤيا و غياب العوائق، و كان لا بدّ مما ليس منه بدّ.
في البداية التزم الجميع بالشرط -الصّمت- و احتملوا الضربات، لكن حين شجّت إحدى الرّميات رأس الابن الأكبر داخل الحفرة انتهى الصّبر.
و صرخ الإبن صرخة مدوّية و زاد نسق الرّمي، و استغلّ الوحش الفوضى و رمى في النار  ما يجعلها تبعث دخانا أبيض كريه الطعم و الرائحة و تصدر أصواتَ طقطقة حادّة.
و راح يلطم وجهه و يحثو التراب على جانبيه و يصيح:
-ضاع كلّ شيء، ضاع كلّ شيء.

طبعا "لحمر" عاد إلى حيث ترك حماره و ماهي إلا لحظات حتى كان يُردِفُ عم صالح خلفه حتى كانا في الحانوت.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...