منذ بداية الجلسة كانت يدا الأصلع تطيشان هنا و هناك تتلمّسان جسد منية، قد تبدو الحركات مُسْتفزّةً لكنها في عينيْ فاعلها و في ظروف وعيه شكل من الرومنسية الرقيقة و رقصة حبّ يقوم بها الفحل لاستثارة أنثاه.
هذه المشهد لم يغب عن الآخرين، لكن للمجالس قوانينها
و آدابها الرّفيعة، و السّكير المحترم هو آخر من يكسر القواعد. يقول القانون الغير
مكتوب أنّ صاحب الشّيء هو أوّل من يتمتّع به ثم الأقرب فالأقرب مع أولوية إكرام
الضيف و الكبار في السنّ و المقام، و من يخرق القانون يُتهم بفقدان الرّجولة، تهمة
أثقل من جبل يُبذل في سبيل محوها الغالي و النّفيس.
للصعاليك أخلاق و آداب، و أن لا تُعجب البعض فإمّا
لجهلٍ بها أو لأفكارٍ سابقة، و في الحالتين فهي موجودة و شكّلت عبر التاريخ
لَبِنات لثقافات و ثورات و حتّى أنظمة دُول.
ظلّت منية تقاوم عبثه إلى حين، متجاهلة يده و نظرات
الآخرين دون أن تُغفل الجاموسة، و لعلّ شيئا حزّ في نفوس من أُسْعِفً بومضة إدراك
فشعروا بخفقَةِ غيرَة سرعان ما تغرق في أمواج النّشوة الدافئة.
الجاموسة بدوره لم يكن غافلا، يختفي خلف عبوة البيرّة
و سيجارة المارلبورو الأصلية، ظلّ يقظا لأمرين و جب التتويه بأحديها، بعض الناس لا
يؤثر فيهم الكحول بسهولة و مهما صبّوا في حلاقيمهم فلا يظهر التأثير إلا متأخّرا
أو لا يحدث شيء إطلاقا، و صاحبنا ذي البطن الإهليجية أشبه بقربةٍ تخرّ، و لو كان
ليلتها أدرك حالة الانقطاع لما جاز لنا الاعتقاد في جدوى الصّدف و لا كانت الأحداث
أخذت مجراها كما حدث لاحقا.
كان يخطف نظرات متباعدة من وجه المرأة و يحاول
استرجاع شيء من عطرها الذي ملأ خياشيمه منذ ساعة لما جلست على ركبتيه، لكنّ رائحة
الشعير المتعفّن و غثاثة التبغ الرديء الذي ينبعث من حوله غلبتا في منخريه فلم
ينجح في اعادة تشكيل رائحة الأنثى تلك.
أما منية فإنها حين فاض بها الضجر من طيش يد الأصلع
ألقت عبوة البيرة من يدها بعيدا فانسكب ماؤها محدثا بقعة بيضاء مزبدة سرعان ما
امتصها القاع الترابيّ و وقفت فجأة ثم سحبت مضيّفها المترنّح من يده نحو الحُجرة
ذات الباب.
تبعتهما عيون المشاهدين و قد تفتّحت كورود حمراء
بينما أشاح الجاموسة بوجهه يقلّب السّقف الأحمر.
لم يمضِ وقت طويل حتى خرجت لتجلس في مكانها بينما ظهر
الأصلع في الباب يحاول التماسك و يده تمسك سرواله المفتوح حتى وصل بعد جَهد إلى ركن و
وقف يصارع ركبتيه و هو يتبوّل على الحائط، و ظلّ كذلك مدّة مستندا بجبهته إلى
الجدار الأحمر، ثم تهاوى فجأة ليسقط ممددا على الأرض و بقيَ كذلك و قد تحوّلت
أنفاسه إلى شخير. ربّما يستمرّ في وضعه الحالي إلى حين يصحو.
Commentaires
Enregistrer un commentaire