Accéder au contenu principal

الجاموسة 7

منذ بداية الجلسة كانت يدا الأصلع تطيشان هنا و هناك تتلمّسان جسد منية، قد تبدو الحركات مُسْتفزّةً لكنها في عينيْ فاعلها و في ظروف وعيه شكل من الرومنسية الرقيقة و رقصة حبّ يقوم بها الفحل لاستثارة أنثاه.
هذه المشهد لم يغب عن الآخرين، لكن للمجالس قوانينها و آدابها الرّفيعة، و السّكير المحترم هو آخر من يكسر القواعد. يقول القانون الغير مكتوب أنّ صاحب الشّيء هو أوّل من يتمتّع به ثم الأقرب فالأقرب مع أولوية إكرام الضيف و الكبار في السنّ و المقام، و من يخرق القانون يُتهم بفقدان الرّجولة، تهمة أثقل من جبل يُبذل في سبيل محوها الغالي و النّفيس.
للصعاليك أخلاق و آداب، و أن لا تُعجب البعض فإمّا لجهلٍ بها أو لأفكارٍ سابقة، و في الحالتين فهي موجودة و شكّلت عبر التاريخ لَبِنات لثقافات و ثورات و حتّى أنظمة دُول.
ظلّت منية تقاوم عبثه إلى حين، متجاهلة يده و نظرات الآخرين دون أن تُغفل الجاموسة، و لعلّ شيئا حزّ في نفوس من أُسْعِفً بومضة إدراك فشعروا بخفقَةِ غيرَة سرعان ما تغرق في أمواج النّشوة الدافئة.
الجاموسة بدوره لم يكن غافلا، يختفي خلف عبوة البيرّة و سيجارة المارلبورو الأصلية، ظلّ يقظا لأمرين و جب التتويه بأحديها، بعض الناس لا يؤثر فيهم الكحول بسهولة و مهما صبّوا في حلاقيمهم فلا يظهر التأثير إلا متأخّرا أو لا يحدث شيء إطلاقا، و صاحبنا ذي البطن الإهليجية أشبه بقربةٍ تخرّ، و لو كان ليلتها أدرك حالة الانقطاع لما جاز لنا الاعتقاد في جدوى الصّدف و لا كانت الأحداث أخذت مجراها كما حدث لاحقا.
كان يخطف نظرات متباعدة من وجه المرأة و يحاول استرجاع شيء من عطرها الذي ملأ خياشيمه منذ ساعة لما جلست على ركبتيه، لكنّ رائحة الشعير المتعفّن و غثاثة التبغ الرديء الذي ينبعث من حوله غلبتا في منخريه فلم ينجح في اعادة تشكيل رائحة الأنثى تلك.
أما منية فإنها حين فاض بها الضجر من طيش يد الأصلع ألقت عبوة البيرة من يدها بعيدا فانسكب ماؤها محدثا بقعة بيضاء مزبدة سرعان ما امتصها القاع الترابيّ و وقفت فجأة ثم سحبت مضيّفها المترنّح من يده نحو الحُجرة ذات الباب.
تبعتهما عيون المشاهدين و قد تفتّحت كورود حمراء بينما أشاح الجاموسة بوجهه يقلّب السّقف الأحمر.

لم يمضِ وقت طويل حتى خرجت لتجلس في مكانها بينما ظهر الأصلع في الباب يحاول التماسك و يده تمسك سرواله المفتوح حتى وصل بعد جَهد إلى ركن و وقف يصارع ركبتيه و هو يتبوّل على الحائط، و ظلّ كذلك مدّة مستندا بجبهته إلى الجدار الأحمر، ثم تهاوى فجأة ليسقط ممددا على الأرض و بقيَ كذلك و قد تحوّلت أنفاسه إلى شخير. ربّما يستمرّ في وضعه الحالي إلى حين يصحو.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...