Accéder au contenu principal

مذكرات عبسلام 15


مذكرات عبسلام
الموسم3
الحلقة15
و انطلَقَ عبسلام مستدبرا القِبلة التي كان عليها، مُغرّبا في البلاد تؤزّه موجاتٌ من الطّاقة الخفيّة و تحرسُه عينُ شيخه التي لا تطرفُ و لا يُصيبُها وسَنٌ و لا تنام.
و حينَ أدركه التّعب أرخى مقعدته و جلس إلى ظلّ خرِبَةٍ من عمل الأوّلين يتأمّل. "إنّ الدار الآخرة هي الحيوان" قال في نفسه، و جدّف الهواء بيديه فانتصب واقفا حين لاح له خيال عربة يجُرّها بغل، و لوّح بيديه عسى الحوذيّ يوصله إلى العامرية. و انطلقت العربة تترنّحُ تحت ثِقَلِ الأمانة و البغل يخبّ حينًا و يَكِبُّ حينا حتى أدرك الرّكب البُريْدِعَة1. قال السائق:
-باين فيك ناس ملاح و دخلت قلبي بالزّاف، يا ريت تروح معايا نبغي ندير لك ضيافة.
فشكره عبسلام و دعا له بالبركة و ظلّ يُلوّح بيديه مودّعا حتى اختفى في بعض الفجاج.
و خطر لعبسلام أن يروغَ يمينا عند بعضِ الثنايا متجنّبا الطريق الرّئيس و مقتفيا زُبُرَ الحديد2، و كأنّما هَبّتْ ريخٌ مُرْسلةٌ تقوده عبر تلك الهضاب و النتوءات لتحطّ به عند محطّة القطار مدخل قريةٍ لم يتبيّن اسمها و الليل أسدل الستار و نام.
 و تحت جناح الظّلام غفا عبسلام...
دغدغه النسيم فنام.
و قلبُ عبسلام لا ينام
و في عمق الليل، و النجوم تغمز تفتّحت عين عبسلام.
بعينين تستديران في محجريهما ظلّ يتأمّلُ اللافِتَةَ على جدار المحطّة تبرق تحت وابل من شعاع النجوم. كان الاسم مألوفا...
حاول التحرّك لكنّه لم يجد قُدرَة، و كأنّ شيئا ضخما جَثم على صدره فسلبه كلّ شيء.
رباه! كيف لعبسلام حامل الرسالة إلى العالمين أن يُسْلبَ الإرادة في هذا المكان الكئيب!
و صاح عبسلام بصوتٍ لا تسمعه الآذانُ و لا يعيه إلا كلّ ذي حظٍّ عظيم: واشيخاه!
و حتى تصل الإشارة عاد يتأمّلُ حكايا جدّته و حماته... يا إلهي!
كان اسم القرية "بو تلِيليس"3.
فاستعاذ باسم شيخه فإذا هو كما كان سَليم.





قرية[1]
سكة القطار[2]
قرية[3]

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...