كان "الجاموسة" جالسا في الشمس عند عتبة الجامع، عيناه بالكاد مفتوحتان. الشمس المائلة للغروب تسطع وجهه و بقية الصداع تُجبره على إبقاء عينيه في وضع الاسترخاء. هو في الحقيقة لم يغفل عن تأمّل مؤخرات النساء العائدات من أعمالهن، و يتخيّل وضعيات غير محتشمة تبعا للمعطيات التي ترتسم في مشهد ثلاثي الأبعاد في الشاشة السوداء المنسدلة من تحت أعلى جفنيه.
البارحة
كانت ليلة تمازجت فيها الألوان، من الأحمر إلى الأصفر إلى الأبيض و كلّ أطياف
السواد.
منذ أن
أزالوا البناء الخرب خلف الجامع لم يعش ليلة كالبارحة، بعض أصحاب الملايين الجدد و
الباحثين عن الشهرة قاموا بضم الخربة إلى الجامع و بذلك قطعوا تسلسل تلك السهرات
مما اضطرّ الجاموسة و الرفاق للبحث عن مكان آخر. المأوى الجديد كئيبٌ نوعا ما، فهو
رغم الحماية من تقلبات الطقس و وجود الحنفية و الحمّام و عدة حجرات منفصلة لا
يتوفّر على مشهد السماء المفتوحة و لا خضرة الإعشاب الطفيلية بألوانها المتغيّرة و
لا الحركات المباغتة لبعض الحشرات التي اكتسبت بموجب الجوار حقّ الاحترام.
قد يبدو
الأمر مشوبا بالغرابة و النشاز أو عصيّا على الفهم، لكن من منظورٍ إنساني بحت هو
شيء كالـ.... الوفاء للمكان، الحنين للوطن، الأماكن تتبدّل في الظاهر، لكن تلك
الخربة التي ظلّت دهرا فضاء طلقا تسكنه السعادة لا يمكن أن يتحوّل هكذا إلى منارة
للحزن و الويل و الثبور.
مرّر يديه
على وجهه و فرك عينيه بقوّة ثم نظر من خلال قبضتي يديه إلى الشارع أمامه.
عندما
تأكّد من خلوّه من المارة نهض و سار نحو المقهى في الجهة المقابلة.
Commentaires
Enregistrer un commentaire