لم يُسعفها الحظّ بإتمام دراستها الثانوية فتركت المعهد فجأة و هجرت معه تدريباتها الرياضية في بعض فروع الفريق المحلّي، لكنها لم تتخلّى عن عادة ارتداء البذلة الرياضية حتى غدت لباسها الوحيد. فقط استغنت عن ملابس النساء رغم أن بعضهم أقسم أنه رآها في كامل زينتها تتوارى خلف ظلام الأزقة لحضور حفلة عرس، قال "خسارة ذلك الجمال في عاهرة".
بنيتها الرياضية مكّنتها أكثر من مرّة من الخروج من
أكلح المواقف، تضرب و تركل و تقفز و تعضّ، لذلك سئم المنحرفون محاصرتها فلم يظفروا
منها بشيء، أما الذين تمكّنهم من نفسها طواعية فتتخيّرهم. لا أحد يعلم بالضبط
مقاييس الامتحان و لا أحد استطاع تخمين سبب إقبالها على مثل هذا السّلوك.
لحسن حظ الجاموسة أو ربّما لسوئه –دعونا نفترض- كان
من بين القلائل الذين رضيت عنهم منية.
تلك الليلة الصافية من أواخر الصيف الماضي و احتفالا
بخروج الجاموسة من السجن، و على ربوة تشرف على المدينة جلس الأصحاب على حافة
الطريق المقفر و قد اختلطت في عيونهم انعكاسات الأنوار الآتية من الأسفل مع غمز
النجوم. لو مرّ أحد العابرين فلن يرى غير لطخات بيضاء مُشربة بنقاط حمراء ترتفع و
تنزل بارقة في سواد الليل.
عندما انتشى الرّفاق اقترح أحدهم الرجوع إلى المدينة
للتزوّد بكميات أخرى و لتجنّب دورية الشرطة التي قد تباغتهم فيجدوا أنفسهم مضطرين
إلى اقتسام العبوات مع الأعوان. و اقترح أن يواصلوا السهرة في منزله الذي لم يكتمل
بعد.
الصّدفة قد تُغيّر مصيرا، و ما حياتنا إلا مجموعة
صُدف ملقاة كصَدَف البحر على شاطئ متعرّج، كم كلمةً غيّرت حياتك! و كم حادثة لم
تتوقعها رفعت بعدها هامتك! و كم وخزةً جعلتك تكتم صرختك و تطأطأ رأسك! ما الانسان
إلا كُرَة تتقاذفها الصّدف و تلهو بها رياح الحظّ حتى ترميهها صدفة عشوائية في
حفرة أو في طريق مُعبّد، الكون صغيرٌ جدّا و الإنسان صغيرٌ في الصّغر.
Commentaires
Enregistrer un commentaire