الأشهر التي قضاها في السّجن اجتمعت فجأة في ذاكرته فجعلته يشعر بالجفاف في لسانه، أما رائحة الأنثى فقد أشعلت حريقا في جوفه، لكنّ المفاجأة حالت دون امتداد النار.
ظلّ يتأمّل الشكل المنحوت أمامه و الارتعاشات التي
تظهر له كلما سطعت أضواء الطريق في القميص الرياضي للمرأة في ذلك الفراغ بين نهدها
الأيمن المنتصب و جانب بطنها.
الصّبر صفة لا يتمتع بها الكثير، و من يكتسبها يسلك
طريق الحكمة.
في المنزل الذي لن يكتمل قريبا و الذي هو سقفٌ فوق
مجموعة من الحيطان الحمراء، نصبوا عدّتهم. الطاولة و الكراسي تَشكيلاتٌ هندسية من
الآجرّ و أخشابٌ غبّر بياضها الاسمنت و مسامير صدئة. في الحجرة الوحيدة التي
يوصدها باب اصفرّ بفعل زيت الخشب استلقت مجموعة من الأغراض التي تركها عمال البناء
و أكياس اسمنت مرصوفة بنظام في ركن و إلى جانبها باب خشبيّ بُسط على ارتفاع
آجرّتين و فوقه مرتبة لا لونَ محدد لها و سريرٌ حديدي مُشبّك يُستعمل لتقية رَمْل
البناء من الحصى و الأوساخ في وضعٍ مائلٍ ليمنع فتح الشبّاك من الخارج و جهاز
راديو مُعصّبٌ بخيوط نحاسية ملوّنة لولاها لتناثرت أحشاءه.
تتأجج حرارة المكان كلما انبعثت موسيقى من لفافة
الخردة الالكترونية فترتفع الحناجر بالغناء المتكسّر و الأيادي بشيء يشبه التصفيق
ثم يعود اللغط متداخلا مع أصوات فتح عبوات الجعة أو ارتطام القواقع الفارغة ببعضها
أو بالتراب.
أصبح الكلام الآن بألسن معقودة و رطانة الكلمات في
مثل هذا الحال يُستعاض عنها بإفراد السبّابة و اطلاقها تتحدّث نيابة عن الفم.
كانت منية تجلس على الأريكة الآجرّية قريبا من الرّجل
النصف أصلع، و كانت تركّز بصرها على الجاموسة بلا انقطاع دون أن تهمل مراقبة
الآخرين بطرفيْ عينيها، ربّما خالةٌ جديدة لم تجرّبها من قبل أو ربما كطريقة أخرى
لتفادي نظرات الشهوة التي تنصبّ على جسمها.
بحكم تجاربها السابقة لم يكن لها أن تشرب كثيرا، قد
تعلّمت الحذر في التعامل مع أمثال هؤلاء حين يفقدون الإدراك و ينحدر الوعي لديهم إلى
مستوى أقل من الصفر و يعودون أقرب إلى ضواري قد ينفجر التوحّش في أرواحهم في أية
لحظة.
لعلّ المغامرة هي ما يجلبها إلى مثل هذه الخُلطة أو
لعلها ثورة من نوعٍ ما، و ربّما كان هوَسا شخصيّا خاصّا، فلكلّ منا هوَسُه الخاص
المكتوم حتى حين.
Commentaires
Enregistrer un commentaire