Accéder au contenu principal

الجاموسة 6


الأشهر التي قضاها في السّجن اجتمعت فجأة في ذاكرته فجعلته يشعر بالجفاف في لسانه، أما رائحة الأنثى فقد أشعلت حريقا في جوفه، لكنّ المفاجأة حالت دون امتداد النار.
ظلّ يتأمّل الشكل المنحوت أمامه و الارتعاشات التي تظهر له كلما سطعت أضواء الطريق في القميص الرياضي للمرأة في ذلك الفراغ بين نهدها الأيمن المنتصب و  جانب بطنها.

الصّبر صفة لا يتمتع بها الكثير، و من يكتسبها يسلك طريق الحكمة.
في المنزل الذي لن يكتمل قريبا و الذي هو سقفٌ فوق مجموعة من الحيطان الحمراء، نصبوا عدّتهم. الطاولة و الكراسي تَشكيلاتٌ هندسية من الآجرّ و أخشابٌ غبّر بياضها الاسمنت و مسامير صدئة. في الحجرة الوحيدة التي يوصدها باب اصفرّ بفعل زيت الخشب استلقت مجموعة من الأغراض التي تركها عمال البناء و أكياس اسمنت مرصوفة بنظام في ركن و إلى جانبها باب خشبيّ بُسط على ارتفاع آجرّتين و فوقه مرتبة لا لونَ محدد لها و سريرٌ حديدي مُشبّك يُستعمل لتقية رَمْل البناء من الحصى و الأوساخ في وضعٍ مائلٍ ليمنع فتح الشبّاك من الخارج و جهاز راديو مُعصّبٌ بخيوط نحاسية ملوّنة لولاها لتناثرت أحشاءه.
تتأجج حرارة المكان كلما انبعثت موسيقى من لفافة الخردة الالكترونية فترتفع الحناجر بالغناء المتكسّر و الأيادي بشيء يشبه التصفيق ثم يعود اللغط متداخلا مع أصوات فتح عبوات الجعة أو ارتطام القواقع الفارغة ببعضها أو بالتراب.
أصبح الكلام الآن بألسن معقودة و رطانة الكلمات في مثل هذا الحال يُستعاض عنها بإفراد السبّابة و اطلاقها تتحدّث نيابة عن الفم.
كانت منية تجلس على الأريكة الآجرّية قريبا من الرّجل النصف أصلع، و كانت تركّز بصرها على الجاموسة بلا انقطاع دون أن تهمل مراقبة الآخرين بطرفيْ عينيها، ربّما خالةٌ جديدة لم تجرّبها من قبل أو ربما كطريقة أخرى لتفادي نظرات الشهوة التي تنصبّ على جسمها.
بحكم تجاربها السابقة لم يكن لها أن تشرب كثيرا، قد تعلّمت الحذر في التعامل مع أمثال هؤلاء حين يفقدون الإدراك و ينحدر الوعي لديهم إلى مستوى أقل من الصفر و يعودون أقرب إلى ضواري قد ينفجر التوحّش في أرواحهم في أية لحظة.

لعلّ المغامرة هي ما يجلبها إلى مثل هذه الخُلطة أو لعلها ثورة من نوعٍ ما، و ربّما كان هوَسا شخصيّا خاصّا، فلكلّ منا هوَسُه الخاص المكتوم حتى حين.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...