Accéder au contenu principal

مذكرات عبسلام 17

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسم3
الحلقة17
جمَعَ عبسلام شواردَ نفسِه و ركّزَها بينَ عيْنيْهِ حتى كاد من ثِقَلها يتأجَّجُ صُدْغاه فبدتْ كزبيبةٍ من أثر السّجود، و حبّات العرق تتابعتْ مُنْحدِرَةً على جبهته و وجْنَتيْه بينما عيناه بالكادِ تبينان. لو أنّ مُتأمّلا أرجَعَ البصَرَ لرأى الوهَجَ يَصّاعَدُ خلالَ شُعيْراتِ رأْسِه المنتَصبة.
و اُطْلِقَتْ الإشارة حَزُمًا خَفِيَّةً كأضْغاثٍِ من أثير تَخْرُقُ حُجُبَ الفضاء و تَفُضّ أخْتامَ الغُيوب.
كانت السّماء نَقِيَّةً في صفائها كحمامَةِ سلام لا تشوبُ طُهْرَها ريبةٌ و لا يَمُسُّ جناحَها لُغوب، و الرّيحُ ساكِنَةٌ إلا من نسيم.
نزَقَتْ الهمهماتُ بيْنَ عَمَدِ لا تُرى و نَفَذَتْ بينَ أقطار الأعالي فأحْدَثَ ذلكَ شيئا كَحَشْرَجَةٍ في حَلْقِ السّماء و زمْجرَةً بعيدَةً رُئِيَ لها شَرَرٌ كَقَدحٍ وَحيٍّ بالزناد فظلّت كذلك ساهمةً لحظة أو قَدْرَ ما ينْقَطِعُ زفير، ثمّ عادتْ طَقْطَقَةً كإفتِراعِ  فقاعَاتٍ على هشيم. في الأفقِ الأعلى وُلِدَتْ نجْمة، و هناكَ، كجِسْرٍ بينَ قِمّتين امتَدَّ قوسُ قُزح.
و كارتداد الطّرفِ، عادت الإشارة ترسُمُ مسارًا من زبد فكادت تدمَغُهُ، ثقيلَةً كقرْع النواقيس ساعةَ الغلس.
و بدا له وجه الشّيخ كَمشكاة تتدلّى في الأفق و في و سطها قارورة  و إن لم تمْسَسْها نارٌ –بعد.
-مُعلّمي! تاجَ رأسي! لإشْراقَةُ وجهكَ أعزُّ عندي من حُمر النَّعم! لرؤياكَ و النظر إلى وجهك خيْرٌ ثوابا و خيْرٌ أملا!
ردّ الوجه متّقدا بين ألسنة الضّياء:
-أنْعِمْ بكَ من تابع! قد رضيتُ عنك كدأبي أبدا، تنطلقُ الآنَ إلى زوج بغال لا تشْغَلُكَ عنه شاغلة فإنّك أصبحت و قد ولَجْتَ حمَى شَياطين سُليْمان، و إنّي أعيذُكَ إلا إنْ أبيت، فالكيْسَ الكيس! و انتظر الآياتِ عند الرّبْوَةِ ذات القرارِ و المعين.
ظلّ عبسلام فاغِرًا فاه لحظاتٍ لا يدري أشرٌّ أرادَ بهِ ربُّهُ أم أراد به رَشَدا ثمّ تبيّنَ له الجدُّ من الهزْلِ فقالَ:
-أشياطينُ سُليمانَ هنا! ناشدْتُكَ يا صِهْري أن تُقيِّضَ لي أحدها، فلطالما تشوَّقْتُ رُكوبَ بساط الرّيح إلى مراكش و منها إلى حلقِ الوادي و من ثمَّ بغْدادي- لعلّي أقضي بينهنّ وطرًا!
زمجَرَ الشّيخُ:
من مثلِ هذا أخشى عليكَ يا عبسلام! إنّي لأخشى عليكَ ضيْعَةَ الطّيوب، و قد عهدنا لكَ بأمرٍ في الشيراطون فلم نجدْ لكَ عزْما. انطلقْ يا عبسلام! انطلقِ الآنَ الآنَ و ليْسَ غَدا.

و تبعثَرَتِ الهالَةُ في السّماء كشظايا مرآةٍ و لها تسبيح.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...