أشعل سيجارة، و أنزل يده ليدسّ الولاعة في جيبه فمرّر ما تحرر من أصابعه على بطنه و التهبت ذكرى البارحة في ذهنه من جديد فحثّ الخطى هاربا منها.
لهذا السبب سمّاه أترابه "جاموسة"، كانت بطنه
عظيمة، تخرج فجأة من صدره و تنزل مقوّسة لتستدير بشكل اهليجيّ مثاليّ ثمّ تختفي
لتشكّل تناظرا عجيبا مع إليتيه.
استيقظ
الجاموسة هذا اليوم على صوت الأذان النازل على أذنيه من عُلوّ المئذنة كقرع طبول
الحرب، بحلق بعينيه في ظلام الغرفة لحظة ثمّ تمتم بشيء و سحب الهاتف المحمول من
تحت الوسادة و نظر فيه كالمتأمّل. مطّ شفتيه و سحبهما و أشعل سيجارة ليُذهب بدخانها طعم فمه المرّ، و
في البياض الرمادي للدخان رأى مشهد البارحة، فحرّك يده ليبدد تلك الأشباح و اندفع
إلى خارج المنزل.
انصرف
المُصلّون و هاهو الرجل الغريب الذي عيّنته إدارة الشؤون الدينية للتنظيف يغلق
الباب الخارجي و ينصرف، جلس الجاموسة على العتبة المقدّسة و استرخى مغمض العينين
يستجمّ بالشمس.
أما في
المقهى فالمشهد هادئ إلى حدّ الآن، شخصان لا يعرفهما يرشفان مشروبهما في هدوء
الظلام و لا يلتفتان، أما النادل فقد افترش فخذيه للتشهد الأخير.
سحب
الجاموسة كرسيا و غرس عقب السيجارة في المنفضة ثم جلس منتظرا النادل.
تِكْ!
أخرجه صوت ارتطام الكأس بالمنضدة من سهوته فطلب من
النادل مستدركا شيئا يؤكل، و حين عاد له بكعكة كانت أولى وفود تلاميذ المعهد قد
وصلت. ترك الكعكة جانبا و أشعل سيجارة ثم رطّب فمه برشفة قهوة و اعتدل في جلسته
مجتنبا الشمس.
الآن تفتّحت عيناه قليلا و اتّسع مجال البصر و الطاولة
تخفي تحتها شيئا من بطنه فيستمدّ من ذلك طاقة ايجابية تجعله قادرا على التملّي دون
عُقد ظاهرة في قدود الفتيات العائدات من المعهد و كالعادة يختلق في مخيّلته ألف
وضعية جريئة و مبتدعة لعله بذلك يزيل خيبة البارحة.
Commentaires
Enregistrer un commentaire