الموسم3
الحلقة 20
ظلّ عبسلام يُهوّدُ عبر تلك التلال مُتّخذا الشمس دليلا حتّى أدركه المغيب
في قاعٍ بعيد الغور، صفصفٍ، بين عُدْوَتين كأنّهما رُجّلَتا بمشطٍ ربّانيّ
الانشاء، فما أحسّ في سفْحيهما عِوَجًا و لا رأى فيهما أمْتًا، و قد تفجَّر خلال
صدوعها نباتٌ مُشرّبٌ بألوان الطّيفِ و سالت منها بعضُ عُيُونٍ فترى الماء يخرُّ
حينا و يقطُرُ أحيانا حتى إذا قَرَى في وقباته و طفطفَتْ به رأيتَ له نَميرا في
السّواقي حتّى يبلُغَ السّيلُ الزُّبى فيفيضُ مُكَرْكِرًا بنات الحصى فتُسْمَعَ
لها في النّقعِ ضَبْحا.
جلس عبسلام على فروَةٍ خضراء فعادت به الذّكرى إلى مستنقعات بلاد فارس يوم
كان يطلبُ علمَ نهاوند، و لهج لسانه مستعيدا ما قال يومها:
قالتْ سُميّةُ من مدحـ__ـتَ؟ فقلت: راشِدُ ابِْنَ غنّوشِ1
لو تلمحي حالي و كيفَ__ترك الثّرى رأسي كــــــكَرّوشِ
أتُرى يزيدُ هَوايَ شيْئًا__أو كانَ دَوْمًا محْضَ تحْشيشِ
و استلّ النّايَ من جُعبته و راح يُزَمّرُ
حتّى غصّ فناء الوادي بألحانه. و في غمرة الحلول نسيَ عبسلام داءه و دواءه،
و حينَ أراح زمّارته و أسبلها جنبه بكلّ رقّة الدنّيا هيّأ له أنه أبصرَ خيالا،
همّ أن يستبشر و قد زيّنت له ظنونه لقاء مع الحورية لولا تبيّنَت له في ذلك الغبش
زُهمولة ما تفتأ تقترب و خلفها عماءةٌ كَرُقعٍ من شفقٍ تُوشّحُ بُقعًا من سراب.
و أسقطَ في يده.
و انشقّت لُجّة الضبابِ و كُشِفَ عن ساق، و إذا به ربُّ الوادي في كامل
حلّةٍ و أبهى زينة و خلفه فرقة من الجند مجلّلةٌ بالحديد.
قال الملك:
أعاتب ذا المودة من صديق__إذا ما
رابني منه اجتناب
إذا ذهب العتاب فليس ود__ويبقى
الود ما بقي العتاب2
أتجوزُ حمانا و لا
تسلّم يا عبسلام! إنّي لأعتبُ عيك، و لولا كرامة شيخك لزدناكَ رهقا، و لو لا أنّا
قومٌ صالحون لفتنّاكَ و لقطعناكَ قِددا. يا عبسلام إنّا لمسنا السماء نسترق السّمع
و ما خَفِيَ خبركَ عنّا، أظننت أنّا لا نقدِرُ عليكَ و قد أغويتَ كريمتنا بفمٍ عذب
المناداة رقيقٍ حتّى نكحتها في الفلاوات!
جثا عبسلام على ركبتيه
يسترحم:
-لك العتبى حتى ترضى يا
مولايَ
-لا لوم و لا عتاب، جُرِّدَ
الحساب، و لولا شفاعة شيخك لكان سوء المآب.
-زوّجنيها يا مولاي!
-ما كان لنا أن نأخذك
في ديننا إلا أن يشاء شيخك، و حتّى نشاء، وإنّما وجب القصاص، ننكحك حتى تكون هذه بتلك.
و أغميَ على عبسلام.
Commentaires
Enregistrer un commentaire