Accéder au contenu principal

مذكرات عبسلام 18



الموسم3
الحلقة 18 
أغميَ على عبسلام و وجده بعض السابلة أصيلا ممدّدا على المقعد الحجريّ تحت شجرة الحور تلك عند حائط مكتب البريد.
قال أحدهم و أقسم أنّه رأى أطيافا تحوم حولَ رأسه و لها ظلال، و أيّده آخرون.
حينَ أفاق كانت الشمس آذنت بغروب و العصافير عادت بطانا، فحوّمت حينا حتى أتمّت رقصتها و ثمّ خلدت إلى لذيذ أحلامها، و فيما بين ذلك سلحتْ فلعلّ شيئا وقع على رأس عبسلام.
تزوّد من بعض الحوانيت بشيء من قوتٍ فأنفق فيه آخر ما بقيَ في صرّته ثم دسّ كل شيء في جِرابين أسدِلا على عاتقه و رفعَ عصاه.
طلع القمر و خطا يُقبّلُ النّجم لمّا أسرعت سحابةٌ ورديّة كبتلة وردة فكادت تخفي المشهد حياءً لولا رِقَّةُ روحها، فخُيِّل لعبسلام أنه يرى علم بلاده يرفرف في سماء الأطلس. وسوس لنفسه "ما هو إلا خرقة بالية تُخفي حفنة ترابٍ عفن" و تفل عن يساره و ضرب في الأرض.
عجّل القمر في أفوله مستبقا عبسلام نحو الغرب و حجبته الجبال، و غاب السّاري فلم يَرَ شَبَحه أحد. و أطلّت بعض نُجوم فتهامست و تغامزت فلم يَدرِ عبسلام ما قالتْ و لا همّه من أمرها شيئا.
حين جاوز طرف القرية ابتلعه الظلام و بات سابحا في سديم من ثقوبٍ سوداء لا يُدرى قرارها من سطحها حتى أوغل. و ظلّ هائما مُكبّا على وجهه حينا يجسُّ حصوات الطريق و حينا يسفُّ ترابه بين عثرة و أخرى حتى كلّ.
و خطر له خاطر.
تحسس له موطأ قدم و خرَّ على رُكبتيه مناجيا: لمن تكلني يا شيخي في هذه الظلمات! إني عزمت عليك لأنْ تجعلَ لي نورًا بين يديّ أمشي به، و ظلّ يلحّ في النّداء حتى تخضّب شدقاه بالدمع و ابيضّت عيناه.
و فجأة، انبثق نورٌ من جبهة عبسلام فزِعَ له الطيّر في وكناته و الوحش في حُجُراته، و أضاءت بين يديه قصور أغمات و مراكش و مسجد الحسن الثاني و قلاع الجمهورية في سلا و برقت حصون البربر في الرّيف، و هوى ساجدا و ارتفع حوله عمود غُبار.
قام عبسلام إلى شجرة فأخذ منها عودا فثقّفه حتى استوى ثمّ هزّه حتى سمع حثيثه ثم تفل عليه و قال: ببركة اسم شيخي الأعظم فليتحوّل النور إلى ذؤابة العصا!
و كان كما قال. و سار يتوكأ على منسأته حينا و حينا يهشّ بها على بعض الجرذان النافرة هنا و هناك و قد بهرها الضوء.
ثم حدث أن أحسّ بشيء من الوهن، و ما عبسلام إلا بشر. قال لآتيَنّ ذلك الفجّ عند أجمة القصب تلك و لأتّكينَّ بضع ساعة.
و في غمرة الاسترخاء –حين تسري الرّاحة في المفاصل، تذكّر أنه كان ذات يوم في نهاوند و أنّه امتلك مهارة الموسيقى و العزف. و مدّ يده يستلُّ قصبَةَ من أرومتها ثمّ انبرى ينحتها و يسوّيها بموسى كانت في فاليجته.

و عزف...

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...