8-أتقنَ
وحش الفلاه تمثيل لحظة الفزع فلم يلْتَوِ كاحله حين همّ بالوقوف و على ملامحه
علامات مصطنعة من الارتعاش لكنه تساقطَ على الكرسيّ و تدفّقت من فيه سُبُحاتٌ من
التعوّذ و الاستغفار، مما زاد في اضطراب سي عمر فلم يلمح أثر المكر يبرُقُ في
زاوية العين.
-يا لطيف
يا لطيف من أنت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم استغفر الله...
و كما
أنشأ دفقَةَ الفزع عادَ بمسحةٍ على وجهه إلى وقاره القديم.
-ما الذي
حصل يا سي عمر و ما جاء بك و قد غرْغَرَتْ أنفاسها القائلةُ في السماء و فاضت بالقارِ
عيون السّبُل؟
-يا عم
صالح أدركني... عندما ذهبت أربط الأتان عند الخرّوبة كان هناك على الأرض خطوط
بيضاء مرسومة بشيء كالدقيق يتجنّبه النمل كدت أطأه بقدمي... قل لي هل هو من عمل
الجنّ!؟
استوى وحش
الفلاه و حوّق عينيه كأنه يعصر الانتباه من أحشائه عصرا:
- و كيف
هي هذه الخطوط، هل تذكر أشكالها؟
-دائرة
كبيرة مثل بطاش الجمل و دوائر صغيرة و فيها خطوط مثل جُرَّة الدجاج...
أطرق وحش
الفلاه كأنه يفكّر و يستنتج ثم رفع رأسه تسبقه ابتسامةُ المبشّر:
-هنيئا لك
يا سي عمر، هذا من عمل الجنّي، و هو جنّي مسلم لن يضرّك.
هنا ارتخت
قسمات الرّجل و كاد يتبسّم و أشرق وجهه بالرضا. حينها انقضّ عليه الوحش بجرعة أخرى
من الأمل:
-قل لي يا
سي عمر، هل تذكر أين تتجه تلك الرّسوم البيضاء، هل تميل هكذا أو هكذا؟
و حرّك
رأسه يمينا و شمالا.
سكن الرجل
لحظة كأنه يسترجع:
-إنها
تميل ناحية شجرة الأجاص ظاهرَ الخروبة... ماذا يعني هذا؟!
-إشارات
ستعلمها في أوانها، لا تسأل كثيرا و إلزمِ الصمت.
لوحش
الفلاه قدرة على التأثير حتى في أحلك المواقف، و وجهه المضيء يشعّ فيخترق الأبواب
المغلقة و بمرآه يُزاح الكدر و تُجلّي الغيوم عن النّفس.
ضرب سي
عمر كفّيه على ركبتيه و هبَّ واقفا:
-حسنا يا
سي صالح، يوم السوق أوافيك ببقية المال، عليّ الانصراف الآن... أشغال كثيرة معلّقة
في الانتظار، في لمانْ توّا.
في الخارج
كان الظلّ قد امتدّ قدر ذراع و البهيمة صافنةٌ عند العتبة و رأسها يخترق الباب و
ذيلها في غدُوٍّ و رواح يهشُّ على أسراب الذباب. حين استلم زمامها تداركه الوحش
بسؤال:
-إيه،
الفؤوس، لا تنسَ توفير ثلاث فؤوس، أحدها يكون ذكرًا، و أعلم أبنيك يستعدّا للحفر
معك حين تتحقّق الشروط، لا أظنك تريد غرباء.
وافق
الزّبونُ بإشارة من رأسه و مضى مُستدبرًا ظلّه.
Commentaires
Enregistrer un commentaire