Accéder au contenu principal
الثالثة
ثلاثُ عجائز كنّ يجلسن متفرّقات سيقانهنّ مفتوحة تتراوح إليهنّ النسوة لنيل البركة في رسمة حنّاء أو إصبع حرقوس. في القديم كان النقش الأسود أو الأحمر يُخطّ على الكفّ أو ظاهر اليد و القدمين، نسوة اليوم صرن أكثر جرأة على الإغراء، وشم كظلْمةٍ ليلٍ حالك السواد على طرف نهدٍ أصمّ أو بينهما على النّحر كأنه يوم النحر أو على خاصرة عللّها الضّمور في يومٍ ذي مسغبة أو باطنَ فخذٍ صقيل كفلقِ الصّبح... كيد شياطين مُصفّدة!
كانت بين صفوف الزحام ترقص و قد أفردت شعرها ليوائم الرقصة، و الرقص هنا تخمُّرٌ و قطع نفسٍ و حلولٍ ما كان يبلغه مولانا الرّومي و لو انفتلتْ فقرات ظهره ألفًا.
بين شفتيها المزمومتين التصقت بعض السوالف الناشزة و انسدلت خصلة فغطّت عينا في حين انخلع زرّان من القميص المتشبّث بالعرق النّديّ.
مرجلُ الدماء في جوفه يغلي فيندفع الفرشيشي في سلاسته المعهودة مخترقا الكتل الملتهبة بيديه الباردتين و خفقات شرايينه ليستعمر الحيِّزَ الضيّق كتفا إلى كتفٍ و فخذا إلى فخذٍ في تناسقٍ لا يأتيه إلا ذوي العلم، و ببطء سلحفاة و صبر حمارٍ يأخذ في دفعها أنملة تلوَ أنملةٍ نحو غرفة التابوت المفتوحة.
في تلك اللحظات كانت إحدى العجائزتخضّب رقبة فتاة قد قوّست حاجبها و رفعت بصرها في نظرة كاشفة، و حين التقت عينها بعين الفرشيشي نَمّت عنها ابتسامةُ تواطؤٍ مسبق.
نفس العجائز كنّ هنا منذ الأزل، يتداولن الأيام و يجتمعن يوم الخميس، و الفرشيشي منذ صباه يأتيهن بحاجياتهن من السوق و يرسلنه بين المنازل و الأحياء بمقابلٍ أو بدونه، لا حساب بين الأصدقاء.
لم تمانع و لم تُبْدِ صدّا، بدت خفيفة كريشةٍ حملتها خَمرةُ الرّقص في مهبّ ذي اتجاهٍ واحد. حين دلفا في ثغرة الباب استلمها واقفا في خفّة الريح أو بحرارة الروح من فخذيها حتى صارت بين حِجره و الشباك.
من الخارج، لو كان بين يديك منظار مكبّرٌ لرأيت المشهد منعكسا في مرآة منقوش عليها اسم الله متدلّية من فوق التابوت في الفراغ الذي يُفتح فيه شبّاكٌ في غرفة حجريةٍ عتيقة.
أما في غياب المنظار فنكتفي بالمتابعة من خلال الأمواج الذي تتوالى على الطُّرْقان المتين المتدلّي خلف البرمقلي المطليِّ حديثا بالأبيض.
بعد بُرهة، بقدر ما أنهت العجوز نقش الحنّاء على رقبة فتاة، خرجت مرافقة الفرشيشي تنتفض و في عينيها ابتسامة مفعمةٌ بالرضا.
ابتسمت لها العجوز حين التقت نظراتهما كأنها تبادلها التهنئة ذات صباح كسول و أشارت لها ناحية صندوق الصّدقات، هزّت المرأة رأسها موافقة و شقّت طريقها في دلال و اختفت في الخلف.
بعد أن جمع صاحبنا أنفاسه و أقام صلبه أشعل سيجارة ثمّ تسلل ككائنٍ لا تُحتملُ خفّته.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...