و بعد الصّبح قرفصْتُ محتبيا ثوبي على العادة و السّنن، و
في يدي عود أحمِشُ به النار طورا و أخطّ به في الأرض بعضَ الفِكَر و أصغي في
اطراقتي تلك لوقع المطر و هدير البرّاد إذْ ينهشُ الجمر قعره، حتى انتصف النهار و حان
وقت الافطار.
ثمّ كانت لي إتّكاءةٌ فغفوة فرؤيةٌ لا يَشوب أفقها ضباب و
لا قُبّتها سحاب و لا تخاتَلَ في فجاجها ذئاب.
و فيما يرى الرّائي بالحقّ شهدتُني في حُلل من دمسق، على
سجّادة من استبرق، أجوب الفضاء، بين سماءٍ و ماء، و خُضرة و بهاء، و القينة عن
شمالي تعبث بلحيتي حينا و بالعمامة حينا آخر، و تتثنّي في دلال يقطع من فتنته
الأوصال، فتثمل من ريّاها العين و تغدو الخمرُ كماء المزن. فقلت لها: يا جارية غنّيني هذا
الصّوت:
ما عاد يملأ رأسي خمرُ داليةٍ
صُبِّي جمالَكِ حتى يمتلي راسي
كلُّ النساءِ أحاديثٌ
بلا سندٍ
وأنتِ أنتِ حديثٌ لابنِ عبَّاسِ**
فحرّكت عودها و انثنت طربا، حتى كدت أمزّق حلّتي و أخرج من
ملّتي، ثمّ ملت عليها في عنان السماء و البساط يسري في بطء و يهتزّ من أثر النزّو و المزّ.
حتى كنا عند طرف الفردوس حيث ينتصب سورٌ شاهق الارتفاع ترفرف
فوقه أعلام الهيئة في إباء و شموخ و خلفه قصر عالي البناء يُبهر نوره الأبصار و تتحيّر في كنهه البصائر، و طير مثالَ الأنابيق تُحوّم
حول ذُؤاباته أو تحطّ في عرصاته، فصحت: يا عامل الهاتف، بربّك لمن هذا السّدير، و
ما تلك المناقير؟
قال بصوت عاودته البُحّة حتّى كأنّه الرعد يومَ الوعد: هذا
حِمى شيخ الهيئة فلان، أنعم الله عليه من دونكم بالإحسان، طابت لك الجيرة فاهنأ
بالسلام.
قلت و قد أخذني العجب و نخرني الكرب: فأيّ شيء به تزيّل
علّنا نتحيّل؟
-كان ينام الليل و يعمل بالنهار، و لا يخلع عنه ثوب
الوقار.
قلت: فليبارك الله رِبحه و يُقوّي رُمحه، أما تدلّني على
الطريق إلى السوق قبل أن يشتدّ الحرّ و الأوار و يتفرّق الكارِعُ و الزّوّار؟
قال: حاذِ السّور عن اليمين حتى تلقى فحْصَ ماغون، فعده
بوابة السوق.
و انتبهت على دمدمة الرّعد و هو يلهجُ بالتسبيح و الحمد.
ـــــــــــــــــــ
** البيتان وجدتهما على تويتر و لا أعرف قائلهما
ـــــــــــــــــــ
** البيتان وجدتهما على تويتر و لا أعرف قائلهما
Commentaires
Enregistrer un commentaire