على إثر هجعة القائلة، مسّتني –ليلتي تلكَ- غفوةٌ زائلة، و
انتبهتُ فإذا قد لبسنِيَ السّهر، و زمّلني الأرقُ بالدّثُر، فقلْتُ الصّلاة الصلاة!
و نهضتُ للميقات.
و ما هي إلا ركعات حتى تفسّح السّهاد و ذبلت العين للرّقاد،
و رأيتني بفضل المولى أهمزُ بساطي فيستديرُ بإذن ربّه و ينساب مُوازيًا
السّور حتى بلغنا أيكَةً لم أرَ مثلها من
قبل، أشبه ما يكون بشجرة المُرّ في بعض سُفوحِ عدن، تتشابكُ أغصانها كحكايا
السّمّار في يومِ قرّ، و تمتدّ كما بين المشرق و المغربِ، و العيون مُتفجّرَةٌ من
بين تجاويف جذعها، هذا عذبٌ فرات و هذا خمرٌ دِهاقُ و ذاك لبَنٌ غيرُ مَضير، و تلك
عينٌ حمئةٌ و هناك عسلٌ مصفّى و أخرى لم أتبيّنها. قلت للقينة و قد مال المركَبُ
بنا ليحطّ:
-يا جارية أبْسُطي رداءك أعبّأْ لكِ شيئا من اللبان لأمّ
البنين، فإنّي قاصدٌ السّوقَ من حيني. و لمّا رفعت طرف ثوبها انكشف المستور فدعوتُ على نفسي بالهلكَةِ و الثّبور و حزتها
عند مقعدٍ من ساجٍ مُغلّفٍ بالحُليِّ و الديباج، حتى خمدَ ثبير، و عندها طابَ ليَ
المسير.
و ما أن عزمتُ حتى انفرجَتْ في السور فُرجة و إذا هو طريقٌ
مرصّفٌ بالعقيق و على جنباته أشجارٌ و وردٌ و نُوّار و إذا البساطُ يهفو و إذا بي
أكٍبُّ و أغفو، و قد أدركني موعد القيلولة، حتى لاح لي من الأرض فحصٌ على شرَفٍ من
الأرض مَحْصٌ، تُرابه من سمادٍ عُضويّ و صخرهُ من قَلْيٍ نديّ، تُحيط به سامقاتُ
السّرْوِ و الحور، و حوله عيونٌ تفور، و قدْ تَبحبَحَ إناءهُ كوخٌ من قصب، و في الطّرف
الدّاني زرعٌ بالسّواد أحوى، و في أقصاه يَسْرَحُ النّعَمُ و يرعى.
صحتُ أسترشد و قد هالني ما أرى:
-لمن تلْكَ النّعيم؟ و ما ذاك النّعم؟ و ما هذه الحُوَّةُ؟
و أين أنهار الشّراب؟
ردّ الهاتف متثائبا:
-هذا فحص ماغون، و تلك أنعامٌ ذاتُ حافرٍ و قرون، أمّا
أنهُر الشّراب فمُحرّمَةٌ عليه.
قلتُ:
-و ذاك الزّرع؟!
قالَ و قد بدا عليه الاهتمام:
-ذاك صنف... أشهدُ أنّي لا أجيدُ الوصف! شيءٌ أنشِأَ
انشاءً... و الذّوْقُ أصدقُ انباءً.
فتركته و مضيت إلى السوقُ، و انتبهت فإذا هو الصّبح في البوق.
Commentaires
Enregistrer un commentaire