Accéder au contenu principal

6 في ربى الجنان



على إثر هجعة القائلة، مسّتني –ليلتي تلكَ- غفوةٌ زائلة، و انتبهتُ فإذا قد لبسنِيَ السّهر، و زمّلني الأرقُ بالدّثُر، فقلْتُ الصّلاة الصلاة! و نهضتُ للميقات.
و ما هي إلا ركعات حتى تفسّح السّهاد و ذبلت العين للرّقاد، و رأيتني بفضل المولى أهمزُ بساطي فيستديرُ بإذن ربّه و ينساب مُوازيًا السّور  حتى بلغنا أيكَةً لم أرَ مثلها من قبل، أشبه ما يكون بشجرة المُرّ في بعض سُفوحِ عدن، تتشابكُ أغصانها كحكايا السّمّار في يومِ قرّ، و تمتدّ كما بين المشرق و المغربِ، و العيون مُتفجّرَةٌ من بين تجاويف جذعها، هذا عذبٌ فرات و هذا خمرٌ دِهاقُ و ذاك لبَنٌ غيرُ مَضير، و تلك عينٌ حمئةٌ و هناك عسلٌ مصفّى و أخرى لم أتبيّنها. قلت للقينة و قد مال المركَبُ بنا ليحطّ:
-يا جارية أبْسُطي رداءك أعبّأْ لكِ شيئا من اللبان لأمّ البنين، فإنّي قاصدٌ السّوقَ من حيني. و لمّا رفعت طرف ثوبها انكشف المستور  فدعوتُ على نفسي بالهلكَةِ و الثّبور و حزتها عند مقعدٍ من ساجٍ مُغلّفٍ بالحُليِّ و الديباج، حتى خمدَ ثبير، و عندها طابَ ليَ المسير.
و ما أن عزمتُ حتى انفرجَتْ في السور فُرجة و إذا هو طريقٌ مرصّفٌ بالعقيق و على جنباته أشجارٌ و وردٌ و نُوّار و إذا البساطُ يهفو و إذا بي أكٍبُّ و أغفو، و قد أدركني موعد القيلولة، حتى لاح لي من الأرض فحصٌ على شرَفٍ من الأرض مَحْصٌ، تُرابه من سمادٍ عُضويّ و صخرهُ من قَلْيٍ نديّ، تُحيط به سامقاتُ السّرْوِ و الحور، و حوله عيونٌ تفور، و قدْ تَبحبَحَ إناءهُ كوخٌ من قصب، و في الطّرف الدّاني زرعٌ بالسّواد أحوى، و في أقصاه يَسْرَحُ النّعَمُ و يرعى.
صحتُ أسترشد و قد هالني ما أرى:
-لمن تلْكَ النّعيم؟ و ما ذاك النّعم؟ و ما هذه الحُوَّةُ؟ و أين أنهار الشّراب؟
ردّ الهاتف متثائبا:
-هذا فحص ماغون، و تلك أنعامٌ ذاتُ حافرٍ و قرون، أمّا أنهُر الشّراب فمُحرّمَةٌ عليه.
قلتُ:
-و ذاك الزّرع؟!
قالَ و قد بدا عليه الاهتمام:
-ذاك صنف... أشهدُ أنّي لا أجيدُ الوصف! شيءٌ أنشِأَ انشاءً... و الذّوْقُ أصدقُ انباءً.
فتركته و مضيت إلى السوقُ، و انتبهت فإذا هو الصّبح في البوق.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...