خمدتْ أنفاس النار و تفرّق من
حولها السّمّار، و عن نفسي، فقد آويت إلى الدّثار، بعدَ أن قضيْتُ السّنّة في نفضِ
الغبار، بطرفِ الإزار. و ما أن لسعني برد الفراشِ بسياطه، حتى غمرني الدّفء بهناءه
و حلّ النّوم في المفاصل، و أطبَقتْ الرّموش الذوابل.
و إن نامت العين فإنّ قلب المؤمن
لا ينام، و حبل الوصل مشدود الزّمام، فاخترقتُ حجاب النّور إلى حياة السّعادة و
الحبور، و رأيتني أعبثُ بالسّماط، على ظهر البساط و قد لاحت السّوق أمامي و تناهى
إليّ ،منها، صخبُ الكلام. فترجّلت عن الصُّهى، إلى نديِّ الثرى، ثم طويتُ الخرقة
على عاتقي كفاليجة على سنام بعير، و تقدّمت أسير، فإذا هي تخفقُ في سمائها البنود،
و تتمايس في زحامها القدود، و لافتة مكتوبٌ فيها: "لا تنسَ دعاء السوق"
و أخرى تستعيذ من الفسوق، و غيرها مما سنّ ابنُ الفاروق و لهجت به الحلوق. فرحتُ
أتمشّى بين النُّصب، و فيها من كلّ عجب، و في ظنّي أنها مما طرحت حدائق النعيم، و
فاضت عن كلّ مُقيم، و مما صنعت أيادي الحور و ربّات الخدور، فسألت أحد الباعة، عن
سرّ الصناعة، و مصدر كلّ بضاعة، فقال: لعلّكَ من هيئة الحسبة! أو أعلاهم في
الرّتبة! إنّ كلّ هذا من ما -لي، لأنفق على عيالي، فخذْ لك منه هدية، و جنّبني
الرّزية، فتركته و انصرفت، أتمتمُ باللطف. و إذا أحد التجّار قد تعلّق بطرف
الإزار: عندي لك بضاعة، مما ورد السّاعة! تِذكارٌ من بئرِ بلا قرار! من دركات
جهنّم، فابتعْها تغنم! هذي عظامٌ مُؤْصده، بنارِ الحُطَمه، و هذه أمعاءٌ بالية،
سُقيتْ من عينٍ آنيَه، و تلك بقيّةُ جلود، نضجت على حصَبٍ منضود، و هذا لسانُ
الملك الطّريد، و هذا خنجرُ الوليد، و إن شئت جئتك بكعب شيبَةَ الحمد مغلولا في
القيد، أو لحية كسيلة البربريّ و شعر الكاهنة المخمليّ، تُجْلَبُ عبر أحقاف، خلالَ
سور الأعراف. فغادرته و أمعائي تُقرقر، و نفْسي من لهاثها تُصفّر، و ابتعدت قدرَ المستطاع
حتى كدت أبلغ الباب، فإذا المنادي يصرخُ للرّكوع، فقمت أنتفضُ كالمخلوع.
Commentaires
Enregistrer un commentaire