Accéder au contenu principal

وحش الفلاه 12


 اليوم الخميس، و البلدة المُطمئنّة تسبقُ غَدها بحفنةٍ من بخور، و الكثيرِ من الماء، و تُسرجُ الشموع و القناديلُ في الغرف المُفتّحة باكرَا هذا المساء، و الأعمالُ تُعرضُ على السماء.
و إلى السّوقِ تَسْبِقُ الصّناديق.
برَّدَ بالعصر و انطلق، حتى إذا كان في المفترق الضيّقِ توقّفَ برهةَ. نظر عن يمينه بعيدا، السوق تبدأ من هنا، النسّاجون يستلمون و يُسلّمون و يتفاوضون مع النّسوة حول بقية الثمن و  أمين الصّاغة تلمع طاولته أمام دكّانه و باعة الخردة لا زالوا يفكّون الأربطة و غدا يكتمل الانتصاب. ألقى التحية على فرقة العيساوية وقد اكتملت عدّتهم لإحياء بعض الأفراح و غادروا الزاوية، زاوية سيدي بن عيسى الصّوفيِّ المعروف التي عادت ملكيتها إلى الدولة فجعلت منها نقطة لتوزيع المساعدات و تقديم الحساء الساخن لمن يوافق عليهم الشيخ -العمدة. عندما استأنف الطريق أمامه خطر له أن يلقيَ نظرة على احتفالات الزاوية و يسرّح بصره في ما انفرج من الباب و يستنشق هباء البخور و الحنّاء، فانعطف يسارا ملتفّا حول الجامع الكبير حتى تناهى إليه وقع الدفوف و بعض القهقهات الغضّة فعضّ على لسانه و أبطأ السّير.
ساحة السوق حيث بدأ السابقون نصب خيامهم استعدادا للمبيت بدت مثل رقعة شطرنج غير مكتملة، و عم صالح كالبيدق الزّاحف لملء فراغات الوقت، و عندما بلغ الطريق من ناحية القبلة قفل راجعا عبر زقاق جانبيّ أين دغدغت خياشيمه رائحة الخبز النّضيد، فاندلف عبر الباب الخلفيِّ و استلّ رغيفا من شَارِيَةِ الحلفاء و انسحب و لحْياهُ يهتزّان كالمُسِرّ بالتلاوة في صلاة النهار. و فجأةً صدعته أصوات الثغاء و الرغاء و النهيق و النّقيق الممزوجة بروائح البعر و الروث المنبعثة من الفندق فغذّ السّير حتى مجلس لاعبِي الخربڨة عند الناصية مقابل ساحة الخردة فسلّم و استدار مُبحلقًا للمرة الثانية في طاولة عرض الصّاغة.
مرّ من أمام المقهى الضّيق و اشتهى كأس شايٍ فجلسَ في الظلّ إلى الطاولة على الرصيف الضّيّق و غاص في أفكاره.
لمّا طفت روحه إلى السطح من جديد كان الظلّ قد امتدّ حتى تسلّق الحائط آذنا بقرب الغروب.
شفط ما تبقّى في الكأس بِتْنْوَتِهِ و مضى حيثُ يحلّ الظلام.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...