اليوم الخميس، و البلدة
المُطمئنّة تسبقُ غَدها بحفنةٍ من بخور، و الكثيرِ من الماء، و تُسرجُ الشموع و
القناديلُ في الغرف المُفتّحة باكرَا هذا المساء، و الأعمالُ تُعرضُ على السماء.
و إلى السّوقِ تَسْبِقُ
الصّناديق.
برَّدَ
بالعصر و انطلق، حتى إذا كان في المفترق الضيّقِ توقّفَ برهةَ. نظر عن يمينه بعيدا،
السوق تبدأ من هنا، النسّاجون يستلمون و يُسلّمون و يتفاوضون مع النّسوة حول بقية
الثمن و أمين الصّاغة تلمع طاولته أمام
دكّانه و باعة الخردة لا زالوا يفكّون الأربطة و غدا يكتمل الانتصاب. ألقى التحية
على فرقة العيساوية وقد اكتملت عدّتهم لإحياء بعض الأفراح و غادروا الزاوية، زاوية
سيدي بن عيسى الصّوفيِّ المعروف التي عادت ملكيتها إلى الدولة فجعلت منها نقطة
لتوزيع المساعدات و تقديم الحساء الساخن لمن يوافق عليهم الشيخ -العمدة. عندما استأنف الطريق
أمامه خطر له أن يلقيَ نظرة على احتفالات الزاوية و يسرّح بصره في ما انفرج من
الباب و يستنشق هباء البخور و الحنّاء، فانعطف يسارا ملتفّا حول الجامع الكبير حتى تناهى
إليه وقع الدفوف و بعض القهقهات الغضّة فعضّ على لسانه و أبطأ السّير.
ساحة
السوق حيث بدأ السابقون نصب خيامهم استعدادا للمبيت بدت مثل رقعة شطرنج غير مكتملة،
و عم صالح كالبيدق الزّاحف لملء فراغات الوقت، و عندما بلغ الطريق من ناحية القبلة
قفل راجعا عبر زقاق جانبيّ أين دغدغت خياشيمه رائحة الخبز النّضيد، فاندلف عبر
الباب الخلفيِّ و استلّ رغيفا من شَارِيَةِ الحلفاء و انسحب و لحْياهُ يهتزّان
كالمُسِرّ بالتلاوة في صلاة النهار. و فجأةً صدعته أصوات الثغاء و الرغاء و النهيق
و النّقيق الممزوجة بروائح البعر و الروث المنبعثة من الفندق فغذّ السّير حتى مجلس
لاعبِي الخربڨة عند
الناصية مقابل ساحة الخردة فسلّم و استدار مُبحلقًا للمرة الثانية في طاولة عرض
الصّاغة.
مرّ من أمام المقهى الضّيق
و اشتهى كأس شايٍ فجلسَ في الظلّ إلى الطاولة على الرصيف الضّيّق و غاص في أفكاره.
لمّا طفت روحه إلى السطح
من جديد كان الظلّ قد امتدّ حتى تسلّق الحائط آذنا بقرب الغروب.
شفط ما تبقّى في الكأس
بِتْنْوَتِهِ و مضى حيثُ يحلّ الظلام.
Commentaires
Enregistrer un commentaire