9-عندما غادر سي عمر، أغلق
وحش الفلاه حانوته و اتجه مباشرة إلى بيته في عمق الزقاق الملتوي و هناك ترك باب
السقيفة مُشرّعا حتى يتحرّك الهواء الخامد إلى الخارج بتأثير فارق الضغط. و في
الداخل، رمى الجبة على كرسيّ من أعواد السدر شَدَّتْ دعاماته في ما بينها أربعة
أقواس و تشابكتْ في ضفيرة أنيقة لتكوّن مسندَ الظهر. و في المطبخ المطلّ على الصحن
يسحب إناءً من فخّار عليه غطاء قُفَّ من سعفٍ ملوّن، و دون أن يجلس، يُتابع الغرف و
القذف في حلقه كالمطارد، ربّما كانت بَسيسةً من قمحٍ حصل عليه هبةً أبّان الموسم
من أحد المزارعين الكرماء و أعدّتها له إحدى النسوة بمقابل عينيٍّ.
أحكم الغطاء و عاد إلى
السقيفة ليكرع من جرّة الماء الفخارية التي تغيّر لونها إلى الأخضر بفعل الندى
السائل من مسامها حتى القاع حيث تجمعت بركة صغيرة كالغدير قاتمة بالظلال. سار إلى
الباب و جعل بينه و بين لوح الحائط صخرة صمّاء مستطيلة يميل لونها إلى الأحمر من
نحت الأقدمين و عليها نقوش طُمستْ و عفت عليها الأيام، لعلها حُملت من بعض الخِرَب
حول القرية، ثم سحب ما يبدو تاجا لسارية لا تزال زخارفها ناتئة و أسندها إلى باطن
الباب فأوثق حركته مطمئنا أن المسافة المفتوحة لا تسمح لأحد بالدخول و في الآن
نفسه تترك لتيار الهواء النازل عبر الصحن تلطيف الجو و تعديل الرطوبة، أما إن تعمد
أحدهم دفع الباب فسيحدث ذلك دويا.
حين قدّر أن كل شيء كما
أراد تمدد على الديوان الخشبيّ لغفوة القيلولة. و ما أن استلقى حتى أدار شريط
الصّور في رأسه في عرضٍ بطيءٍ، مستدركا بعض الهفوات و مُسقطًا أخرى، و انتهى إلى
نقيصتين: إمرأة سي عمر يحب أن تُخليَ المكان يوم التنفيذ بعد اعداد الزّهومَة
للفطور، و أن يستوفيَ أتعابه قبل بداية التنقيب، و أنّ الفأس الذّكر الذي اشترطه
قد يثير فضول الحدّاد، فالأولى الغاء الشرط.
و هكذا، حمله النوم على
جناحه و هدهدته الصّبا حتى لسعت ساقيه الشمس معلنةً دخول العصر، فانتبه فإذا الشيخ
ڨدّور قد أنهى بصوته الممدود آخر تكبيرات الأذان و عاد الصّمت يبتلع أزيز الذّباب.
Commentaires
Enregistrer un commentaire