Accéder au contenu principal

في ربى الجِنان 4




4
مرّت ليالٍ بعد ذلك لا يُنْتَجَفُُ منْ ثراها نشْفََةٌ و لا يتنزّلُ في قيعانها رَئيٌّ، إذا أسبلتُ جنبي خَمَدْتُ كجيفَةٍ قالتْ عليها السماء حتى أذن الله للتعب فرُفِعَ و للرّواءِ فوقع، و انقشع الضباب و امتدّت الرؤيا في الأفق و ندفّق سيل الرؤى بالحق.

و لمحتُني على السجّاد المُغرّر بالثرابيل، أعلو الجنانَ من القُُطر إلى القطر و جاريّةٌ تُدوزِنُ ربابَةٌ من فيروزٍ أوتارها تتموّج بالنور ، فإذا مالت نحوي رشفت و إذا رجعَتْ سرحت و الطّير لها ردٌّ و رجع على رؤوس الباسقات و هي ذخر المؤمنين من الباقيات الصالحات و الزّهرُ من تحتنا كنسْجِ ألوانٍ دُقّتْ بالقيروان و الأنهارُ تجري باللذة الصافية و النشوة الجارفة فيثملُ الرّوضُ و يتمايل راقصًا و يعللُه النسيم.
و عند دوحةٍ كأنّ أفنانها صواري الفُلك حطّّ البساط على أديمٍ من حصىً مبثوثٍ بالمسك و العنبر و الكافور تبرق خلاله شذرات التّبر و الياقوت، و تراءى لي خيال بين الخمائل و الخُمُر، فقمتُ أتقَنَّصُه و أقفو شبحه فإذا هو –أثابكم الله- غُلامٌ أمرَدُ –حسبته و رَبِّكُم لؤلؤًا منثورا- مُعقربَ الصّدغيْنِ، سالَ الطيبُ على جبهته، قد تزنّرَ بحزامٍ من استبرقٍ، فأضاء و أشرق... فما أن أمسكتُ بطرف ردائه حتى تلوّى كالعليل بعينٍ ذابلة و خدٍّ صقيل ثمّ جثا على ركبتيه. صحت فيه و قد أخذتني الدهشة و البهتة: ويحك، ما أنت فاعلٌ يا غلام!
قالَ وهو يفكّ عقدة الحزام: لهاذا أنشأْتُ يا مولاي، جزاءً لك و شُكورا...
...
ثمّ هبّ نسيمٌ فانتبهت فإذا راياتٌ تخفق فوقَ سياجٍ من زُبُرِ النّحاس و عندها نهر أبيض تحفّه جنّتان ، فناديت الهاتف: لمن ها الحائط يا أخ؟!
جاء الرّدُّ بصوتٍ رقيقٍ: نعمَ الجوار هذا، هاتان جنّتان مُدْهامّتان، لعضو الهيئة فلان، حرمه الله الخمر و أفاض له عيون اللبن.
قلت أو يكون!
قال: كان يشربها في الدّنيا فمنعه ربّك طعمها في الآخرة.
فاستعذت بالمنّان و دعوت خرقةَ الكتّان و صوّبتُ حيث الجنوب، و ذاك عهدي بالمنام و المنادي يدوّي بالأذان...

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...