Accéder au contenu principal

في ربى الجنان 1+2

 حدّثنا زكرة بن نافخ قال:
الليلة الأولى
بعد أن وجدنا أنفسنا في مقام القرب و النجوى حبوا على الرّكب من تحت العرش، ثلة من الآخرين علينا خلقٌ من أثواب الدّين بعضها يَقْصُر و بعضها يتكركر، غطسنا في حوضٍ مُرجّلٍ بالمسك و الكافور و العنبر عند عُدوةِ الكوثر فإذا بنا أترابًا يافعينَ في خلقٍ جديد، بيضًا حُمرا، قَطَطَ الشعر أسودها، غُرْلا كخطم الفيل، تتلألأ الزرقة من العيون،أُذِنَ لنا بخلعٍ من ديباجٍ و ياقوت تليق بمقام الاصطفاء و الفوز. انطلقنا تحملنا على ظهورها ملائكة يترقرق الجمان من زغبها حتى منازلنا.
قال الملك الموكل بخدمتي:
-هذا ربعُك فاسرحْ!
فإذا بي أمام قصر كأنه زمرّدةٌ منحوتة و خلف القصر قصور لا تُحصى في العدّ كلها مطوّقة بأسوار شاهقة و إذا بألف ألفِ جارية و غلام يستقبلونني و البشر في عيونهم كالبرق الخاطف. ثمّ حملوني على محفّة من نورٍ حتى غرفة تجري من تحتها الأنهار و يرتع في أجوائها غريب الطير الصّادحة و إذا بنور يجمع ألف نور يتوهّج من فوق سرير من قصب الذهب تحيط به اليواقيت و الجواهر و تتدلى الثريات من فوقه.
و إذا بصوت كدغدغة النسيم في يوم قائظ ينادي:
-ألا أقبل إلينا يا عبد الله
فانتبهت متتبعا الصوت فإذا بها غادةٌ لم أرَ لمثلها شبها و لا وصفا، تفوق البدر حسنا و الشمس ضياء، فدنوت منها فإذا هي صبيّةٌ ربّما أكعبت منذ شهر أو ينيف.
قلت:
-ما بالك يا طفلة، أين أهلك؟
قالت تغالب الحياء:
-أنا أم البنين يا عبد الله و أطرقت خجلةَ فتضّوع المسك و القرنفل من جيدها و هسّت حبات الجمان في عقدها المنسدل.
قلت دون أن أفكر كثيرا:
-تبا لك، و ما الذي أتي بك إلى هنا؟!
و انتبهت فإذا المنادي ينعق للفجر.

و كانت ليلَةً أخرى، صرٌّ و قرٌّ، ترتجف الريحُ فيها هباءً كسُلوكِ النّدى في ضوء قمرٍ أبيض، لم تهِرَّ فيها كِلابٌ و لم يُسْمعْ لها نبْح.
حينَ قرْطَسْتُ نفسي في الدِّثارِ رُحتُ أستجدي الكرى أن يحلَّ، و ما قصَّرَ.
و رأيتُني أطأ جنّةً خضراءَ ببلغةٍ صفراء و عليّ بُرْدٌ أخضرُ يتكركرُ و رأيتني أردّ باب القصرِ مُغاضبًا فيرتدّ و له وجيبٌ.
رحت أجوب النواحي يحملني النسيم على جناحه كلما يممتُ قصرًا وجدتني -و لم يرتدّ رمشي -واقفا عند عتبته و حشد الخدم و الحشم مُسْتقبِلِيَّ كأنهم أوقفوا منذ الأزل و فيهم من المخلّدين و البيض الكواعب ما لا قَلمَ وصفَ و لا ثغرَ –قبْلُ- رَشف، و كلّ يدعوني بدعوته إلى تذوّق رضاب العسل و ما طابَ في الحُلل حتى خشيتُ الهلكة على نفسي و لمّا أطَّوَّفْ بعدُ بكلّ الدّيار و لمّا ينقضي الضُّحى و ما أحطتُ بطرف الجنان بعد.
و ملتُ إلى دوحةٍ ذات أفنان و ظلّ يسري فيه الراكب ألفا و لا ينقطع، و عندها نبعٌ وَدِيٌّ يترقرقُ و له نميرٌ، و الورد يتمايلُ كأجراسٍ مثقلةٍ بالرّحيق و نحلٌ كالذّهبِ السبيك يُردّد تراتيلَ ما يتلقّى من الوحي و يفرغُ طاساته فتسيل عسلا مصفّى عند قدمي، و حانت منّي التفاتة فإذا العناقيد تدلّت حتى سمعتها تهمس: اقطفْ يا عبد الله، فتناولت حبّةً رقّت حتى شَفَّتْ فإذا هي في الفم عجوزٌ خندريس و إذا بقيّة القطفُ إمّاع في بركةٍ صافية كعين الديك ثم تمتدّ حتى تبلغَ ما وراء الأفق.
و خطر لي أن اشتهيت لوزا و فستقا و بندقا مع العسل فإذا هي مكدّسة في جفانٍ من لؤلؤ على خوانٍ من زبرجدٍ أمامي و إذا بي في همّة جديدة كأنّ جِنّ عبقَر سكنت في مفاصلي.
قلت "لأتْبِعنَّ سببا و لأبلغنّ حدود الأرض" و قمت من حيني فإذا بساطٌ من نور قدّامي و عليه طنافسُ و متّكأ:" اركب يا عبد الله".
تالله ما رأيت كهذا و لا خطر! في لمحة بصر مرّت من تحتى الريّاضُ كأنها زرابيُّ مبثوثة بكلّ لونٍ حتى لمحتُ أوتادا دُقّتْ في الأرض تُرفرفُ فوقها راياتٌ خفّاقَةٌ نُقِشَ عليها شعار الهيئة.
سألتُ: و لمن ذاك القليصُ يبْرُقُ تحت الشمس هناك!؟
هتف هاتفٌ خشن الصّوت ذو بحّةٍ: ذاك حِمى شيخ الهيئة فلان، أنعمْ به من جار.
فولّيتُ مُقهقرًا و أنا أردد: تالله إنّه كاسح الرّأس غيورٌ، أبعدوني من هنا.
و عدنا نتفقّدُ الحدّ الشرقي.  

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...