Accéder au contenu principal

وحش الفلاه 10


نقر رَكَعاته ثمّ سوّى كبّوسَه و سحب الباب خلفه و انحدر على يسار الزّقاق متفاديًا قَزادرَ1 و أسطُلَ الفضلات التي أهملها عمّال البلدية فحضنتها شمس أوسّو حتّى تخَمّرَتْ و استحالت عصارةُ السردين و قشر البطّيخ و كلّ ما فرَّطتْ فيه قطط الزّقاق و دحاجات لَلاّ زكية السائبة –إلى جعَةٍ دافئةٍ تُسْكِرُ أسراب الذّباب الأسود و تُهيجُ أشجانَ الذباب الأخضرِ فيُدوّي بالغناء.
عند رأس الزّقاق وقف مستندًا إلى عمود الكهرباء. تأمّل عن يمينه و شماله. الشّيخ ڨدّور يُصعّد الطّريق بعد أن أحكم قفل الجامع، و المدّب تحت قُبّة الكتّاب أغفل اقفال بابه، ربّما ينتظر فطورا أو عطاءً من أحد، و هناك عند طرف البطحاء عمّ الهادي و جماعته ينحدرون إلى الڨاراج، لعلّ ميشلان عاد من صفاقس، أما عن اليمين، في اتّجاه السوق، فقد اتّسعت حلقة الجُلَساء في الظّلّ الشّرقيّ حول سي حامد المتصدّر على كرسيّه لافّا ساقا بساق و ذيلُ بقرةٍ يهُشّ به على ذباباتٍ لا تيأس، و في الحانوت المقابل، الذي اكتراه سي ڨدّور حديثا حيث يقوم بنجارة الأوتاد و مختلف أخشاب التي يحتاج إليها الفلاحون، اجتمع شبابٌ من بُيوتات الحيّ يُنْهونَ تقريبا الجرية الأخيرة من لعبة الشّكبّة غير عابئين بالشمس المصبوبة على رؤوسهم و قد اختفى صراخهم خلف حجاب دخان السجائر المنسدل عند الباب.
عندما فتح حانوته صدمته نفحةٌ من الهواء النديّ فمسح وجهه بباطن يده ثمّ ألقى جبّته على الرّفّ و سحب الكرسيَّ إلى الخارج.
ما أن ثنى ركبتيه للجلوس حتى باغته الشيخ ڨدّور بالسؤال:
-آ عمر، ماشيه معاك؟!
في حينها دارت الأفكار في رأسه: "هؤلاء العصابة من أهل الجامع الذين يقيلون في المسجد بين الظهر و العصر لا بدَّ أنه وصلهم خبر الكنز".
و دون أن ينظر إليه، مَحَسَ مؤخّرته على الكرسيّ و أضمرها في صدره.
اتّسعت الحلقة أكثر حتى شارف الوافدون على سدّ باب الحانوت، بينما اتّجه ڨدّور  إلى محلّ العطرية2 و خرج و  قد أسجر لفافة تبغ من ثلاث، و يده لا زالت تدسّ الباقيتين في جيب البلوزة البنّيَّة فكاد يصطدم بالبعرة المندفع لشراء سيجارة لعم الهادي، ثم خطى يتفقّد حانوته و منه إلى الظل حيث أفسح له الجماعة مكانا.
وحش الفلاه يراقب الطريق و لا يغفل، الحسّاد كثّرٌ و الجواسيس أكثر، و ذات التفاتةٍ عن شِماله، لمح امرأتين من الغجريات اللواتي يمتهنّ التنجيم و قراءة الطّالع، فاستعدّ للانتقام من الشيخ ڨدّور.

ــــــــــــــــــــــــــ
1 حاوية من قصدير
2 محل البقالة كمى يُسمّى في الشرق




Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...