نقر رَكَعاته ثمّ سوّى كبّوسَه و سحب الباب خلفه و
انحدر على يسار الزّقاق متفاديًا قَزادرَ1 و أسطُلَ الفضلات التي أهملها عمّال
البلدية فحضنتها شمس أوسّو حتّى تخَمّرَتْ و استحالت عصارةُ السردين و قشر البطّيخ
و كلّ ما فرَّطتْ فيه قطط الزّقاق و دحاجات لَلاّ زكية السائبة –إلى جعَةٍ دافئةٍ تُسْكِرُ
أسراب الذّباب الأسود و تُهيجُ أشجانَ الذباب الأخضرِ فيُدوّي بالغناء.
عند رأس الزّقاق وقف مستندًا إلى عمود
الكهرباء. تأمّل عن يمينه و شماله. الشّيخ ڨدّور يُصعّد الطّريق بعد أن أحكم قفل
الجامع، و المدّب تحت قُبّة الكتّاب أغفل اقفال بابه، ربّما ينتظر فطورا أو عطاءً
من أحد، و هناك عند طرف البطحاء عمّ الهادي و جماعته ينحدرون إلى الڨاراج، لعلّ
ميشلان عاد من صفاقس، أما عن اليمين، في اتّجاه السوق، فقد اتّسعت حلقة الجُلَساء
في الظّلّ الشّرقيّ حول سي حامد المتصدّر على كرسيّه لافّا ساقا بساق و ذيلُ بقرةٍ
يهُشّ به على ذباباتٍ لا تيأس، و في الحانوت المقابل، الذي اكتراه سي ڨدّور حديثا حيث يقوم بنجارة الأوتاد و مختلف
أخشاب التي يحتاج إليها الفلاحون، اجتمع شبابٌ من بُيوتات الحيّ يُنْهونَ تقريبا الجرية الأخيرة من لعبة
الشّكبّة غير عابئين بالشمس المصبوبة على رؤوسهم و قد اختفى صراخهم خلف حجاب دخان
السجائر المنسدل عند الباب.
عندما فتح حانوته صدمته نفحةٌ من
الهواء النديّ فمسح وجهه بباطن يده ثمّ ألقى جبّته على الرّفّ و سحب الكرسيَّ إلى
الخارج.
ما أن ثنى ركبتيه للجلوس حتى باغته
الشيخ ڨدّور بالسؤال:
-آ عمر، ماشيه معاك؟!
في حينها دارت الأفكار في رأسه: "هؤلاء العصابة من أهل
الجامع الذين يقيلون في المسجد بين الظهر و العصر لا بدَّ أنه وصلهم خبر
الكنز".
و دون أن ينظر إليه، مَحَسَ
مؤخّرته على الكرسيّ و أضمرها في صدره.
اتّسعت الحلقة أكثر حتى شارف
الوافدون على سدّ باب الحانوت، بينما اتّجه ڨدّور
إلى محلّ العطرية2 و خرج و قد أسجر لفافة تبغ من ثلاث، و يده
لا زالت تدسّ الباقيتين في جيب البلوزة البنّيَّة فكاد يصطدم بالبعرة المندفع
لشراء سيجارة لعم الهادي، ثم خطى يتفقّد حانوته و منه إلى الظل حيث أفسح له
الجماعة مكانا.
وحش الفلاه يراقب الطريق و
لا يغفل، الحسّاد كثّرٌ و الجواسيس أكثر، و ذات التفاتةٍ عن شِماله، لمح امرأتين
من الغجريات اللواتي يمتهنّ التنجيم و قراءة الطّالع، فاستعدّ للانتقام من الشيخ ڨدّور.
ــــــــــــــــــــــــــ
1 حاوية من قصدير
2 محل البقالة كمى يُسمّى في الشرق
Commentaires
Enregistrer un commentaire