عندما اقتربت الغجريتان
تفاجأ ڨدّور بالوحش
منتصبا أمامه مُشهرًا سبّابته و ابتسامةٌ خبيثة بين ما تبقّى من أنيابه، فرفع
حاجبه مستعجّبا فيما بدت إحدى عينه كالقازوزة طافية في البياض:
- ڨدّور! ما رأيكَ أن
أجعلَ إحداهنَّ تجلس في حجرك؟!
كان صوته قويّا و حادّا،
بينما كانت أصابع يُمناه تتحرّك مُنْتصِبةً باتّجاه القادمتين كأنّها مع الإبهامِ تُطبقُ
على تميمةٍ ثمينةٍ.
و دونَ أن ينتظر الجواب،
راحَ يُرتّلُ بعضَ التّعاويذ المتقطّعةٍ و حشرجة صوته تُعمّي كلّ بيان، و في الآن
نفسه مُفسِحا المجال لإحدى الغجريتين.
غجريتان، بلباسهما
المُميّز و الأقراط و الأساور و التمائم كأنّها أنواطٌ صاخبةٌ في يومٍ عاصفٍ
بالألوان، إحداهما عجوز و إن لمْ يبدُ عليها ذلك، و الأخرى ربّما تكون ابنتها،
شابّةٌ يافعةٌ تتوهّجُ بنعمةِ الحمرة و الامتلاء، و حزامٌ ناريٌّ يحرُسُ جوفًا
أصابه الضمور فيما زادت فتحةٌ جيبها عن المألوف قليلاً.
لم تنقطع تراتيل وحش
الفلاه حتى عندما تقدّمت الفتاة صوب سي ڨدّور كمن يسير نائما فاقدًا ادراكه، و حين
بدت كالمترددة اشتدّت عَزمتهُ و تسارعت الكلمات في نبرةٍ مُلِحّةٍ جعلتها تستدير و
تجلس ملء حجره.
اهتزّ الشيخ ڨدّور و رفع
يديه كالمستغيث أو كالمتبرئ لربّه و اعتلت وجهه مسحة من الضّياع في حين انفجرت
القهقهات فدمّرت حاجز الصّمت و جعلت حلقة الشباب داخل الحانوت ترمي أوراقها و تفزع
للفرجة.
ظلّت الفتاة كذلك لحظات و
قد شُمّرت تخليلَتُها كاشفةً البياض المرمريَّ عند فخذيها حتى كأنّ العيونَ
المحدّقة كادت تتحوّل رموشها إلى أنيابٍ بارقة... حتى سحبتها العجوز.
عاد الوحش إلى كرسيّه
متبخترا، أما سي ڨدّور -إمام المسجد- فظلّ يُجدّف في ذهوله بينما كانت المرأتان
تتبختران نزولا إلى الطريق الكبير.
للحقيقة لا أحد يعلم إن
كانت طلاسمه أو ذلك الشيء الأصفر اللامع بين إبهامه و أصابعه ما أرخى قياد المرأة إلى
حجر الإمام.
سببت الحادثة حرجا بقيَ
أثره ظاهرا تألكُه الأفواه حتى نفدَت حلاوة العلكة.
Commentaires
Enregistrer un commentaire