Accéder au contenu principal

وحش الفلاه 11


عندما اقتربت الغجريتان تفاجأ ڨدّور بالوحش منتصبا أمامه مُشهرًا سبّابته و ابتسامةٌ خبيثة بين ما تبقّى من أنيابه، فرفع حاجبه مستعجّبا فيما بدت إحدى عينه كالقازوزة طافية في البياض:
- ڨدّور! ما رأيكَ أن أجعلَ إحداهنَّ تجلس في حجرك؟!
كان صوته قويّا و حادّا، بينما كانت أصابع يُمناه تتحرّك مُنْتصِبةً باتّجاه القادمتين كأنّها مع الإبهامِ تُطبقُ على تميمةٍ ثمينةٍ.
و دونَ أن ينتظر الجواب، راحَ يُرتّلُ بعضَ التّعاويذ المتقطّعةٍ و حشرجة صوته تُعمّي كلّ بيان، و في الآن نفسه مُفسِحا المجال لإحدى الغجريتين.
غجريتان، بلباسهما المُميّز و الأقراط و الأساور و التمائم كأنّها أنواطٌ صاخبةٌ في يومٍ عاصفٍ بالألوان، إحداهما عجوز و إن لمْ يبدُ عليها ذلك، و الأخرى ربّما تكون ابنتها، شابّةٌ يافعةٌ تتوهّجُ بنعمةِ الحمرة و الامتلاء، و حزامٌ ناريٌّ يحرُسُ جوفًا أصابه الضمور فيما زادت فتحةٌ جيبها عن المألوف قليلاً.
لم تنقطع تراتيل وحش الفلاه حتى عندما تقدّمت الفتاة صوب سي ڨدّور كمن يسير نائما فاقدًا ادراكه، و حين بدت كالمترددة اشتدّت عَزمتهُ و تسارعت الكلمات في نبرةٍ مُلِحّةٍ جعلتها تستدير و تجلس ملء حجره.
اهتزّ الشيخ ڨدّور و رفع يديه كالمستغيث أو كالمتبرئ لربّه و اعتلت وجهه مسحة من الضّياع في حين انفجرت القهقهات فدمّرت حاجز الصّمت و جعلت حلقة الشباب داخل الحانوت ترمي أوراقها و تفزع للفرجة.
ظلّت الفتاة كذلك لحظات و قد شُمّرت تخليلَتُها كاشفةً البياض المرمريَّ عند فخذيها حتى كأنّ العيونَ المحدّقة كادت تتحوّل رموشها إلى أنيابٍ بارقة... حتى سحبتها العجوز.
عاد الوحش إلى كرسيّه متبخترا، أما سي ڨدّور -إمام المسجد- فظلّ يُجدّف في ذهوله بينما كانت المرأتان تتبختران نزولا إلى الطريق الكبير.
للحقيقة لا أحد يعلم إن كانت طلاسمه أو ذلك الشيء الأصفر اللامع بين إبهامه و أصابعه ما أرخى قياد المرأة إلى حجر الإمام.
سببت الحادثة حرجا بقيَ أثره ظاهرا تألكُه الأفواه حتى نفدَت حلاوة العلكة.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...