Fiction
5-
لم
تكن تبدو على وجوههم و لا ملابسهم آثار الغرابة أو العداوة، لا شيء يريب، فقط عاديون
كما هم الناس الآخرون دائما، شيء من بعض الملل بدأ يتوغل في ملامح أطولهم و تجاعيد
سوداء بالعرق و الغبار على جبين الفتى الضخم توحي بالارهاق و ما يتبعه من ضجر، أما
الثالث فكان يضع نظارتين سميكتين فتبدو عيناه خلفهما غير مهتمتين بما يحدث بينما كانت
أصابع يده اليمنى ترتعش قليلا و ارتفعت يسراه تردّ حزمة من أشعة الشمس سقطت على
عينه عبر فراغات السقف المعرّش، فبدا كمن له القدرة على استدعاء السحب عندما،
فجأة، ظهرت غيوم رمادية من جهة الغرب فألقت رداء من الكآبة على الوادي الكئيب أصلا
و امتلأ الكوخ و الوهاد بالظلال. في المشهد الجديد الداكن، بدا لي صاحب السحاب
كأنه الناطق الرسمي و أكثر الثلاثة علما و معرفة، لذلك رحت أتعمد توجيه الأسئلة إليه.
الملفت
حقا أني لم أستشعر الخطر في وجودهم الداهم. ليس أكثر من اضطراب خلّفته المفاجأة
تبعه تشوُّشٌ في المشهد أضفت عليه السحب
التي كتمت حقيقة الشمس غموضا مزعجا.
-موسى
يستدعيك فورا للحضور
قال
صاحب النظارتين بصوت لا يوحي بشيء.
-لا
أعرف أحدا بهذا الإسم، و لا أريد الذهاب لأيّ مكان!لولا شرحت لي...
-... موسى
هو الزعيم، القائد، هو المخلص...
قاطعته بغضب صعد في رأسي فجأة:
-زعيم
على نفسه و عليك، عد إلى قائدك وقل له أني أرفض أن أقاد...
ثم
عدت أسترخي محاولا إفراغ الصورة من هؤلاء الغرباء، غير أنه عبثا كان.
قال
صاحب السحاب بنبرة مودة مصطنعة:
-إنه
يحتاجك في أمر مهم، عليك أن تأتي معنا، لا خيار لك!
-كيف
لا خيار لي! تقتحمون عليّ خلوتي ثم تدّعون أنه لا خيار لي! لم يبق إلا أن أكمّم و أخطفَ،
ثم تقول لي أنّ شخصا اسمه موسى لا شكّ أنه مصابٌ بالصرع يحتاج إليّ! اذهب انظر
طبيبا أو عرّافا، ستجدهم في أيّ مكان غير هذا الخلاء!
-نحن
آسفون، لذلك نعتمد على تعاونك، نؤكد لك أنك ستكون في أمان تامّ، لقد ألحّ القائد على
هذا.
بدا
لي فعلا أنه لا خيار لي، و في نفس الوقت لا أستشعر منهم أدنى خطر، ولكن لا بأس من
اظهر شيء من المقاومة... على الأقل يجب أن لا أبدوَ ضعيفا أمام هؤلاء الغرباء، و
لأعرف ماذا يريد مني هذا الموسى و إلى أين يأخذونني هكذا على حين غرّة.
قلت:
-و
ماذا يريد مني قائدكم؟ لقد نأيت بنفسي عن كل الخلافات التي تقع بعيدا و لم تعد لي
رغبة في الصراع مع أحد، كل هذا عبث لا طائل من وراءه، إنّي فضّلت الخروج من
عالمكم، بإمكانكم القول أني أفضّل الهروب، بل أنا جبان، لماذا يحتاج زعيمكم إلى
جبان؟
قال
صاحب السحاب:
-لأنك
فضّلت الخروج... ها قد قلتها بنفسك، الزعيم يريدك لهذا.
هنا
قاطع الطويل الحديث متأففا:
-يفترض
أننا الآن نقطع الطريق، سيحلّ المساء قريبا و عندنا مهام أخرى، هيّا! الوضع دقيق
جدّا ولا يحتمل التلكأ... إن ظلّ على عناده فلنحمله و نضعه في السَيَارة، لكن لا تعنّفاه.
أسقط
في يدي مرة أخرى.
Commentaires
Enregistrer un commentaire