Fiction
4-
... ربما
أستثني الرّاديو. ما عدت أذكر منذ متى كان صندوق الثرثرة هنا. معلّقا من ذراعه في
خطّافٍ حديديٍّ صدئ يتدلّى من السقف، لكنه لا يزال هنا كما كان دائما، يعمل
بالكهرباء و بالبطاريات.
قبل أن تصل الكهرباء هذا البيت كانت البطاريات المستهلكة
تملأ المكان، على الرفوف و في شقوق الجدران و في كل أرجاء البيت و خارجه، و كانت
البلاغات تتردد عبر الأثير حدّ الملل تطلب من المستمعين أن لا يرموا البطاريات في
الطبيعة فيلوّثوا الأرض، لا أعرف من كان أولئك الببغاوات الحمقى، كان من الأفضل لو
أنهم أصيبوا بالخرس.
الآن
ذهبت الكهرباء كما جاءت، خيوط معلّقة كثعابينَ لا نهاية لطولها ألقتها الصّقور على
الأعمدة اليابسة و تركتها لتجف.
كان
أبي حين لا تتوفر عنده بطاريات جديدة يجمع تلك التي نفدت شحناتها و يعرّضها لأشعة
الشمس ساعة أو أكثر ثم يعيد حشرها في الجهاز.
و
تدبّ الحياة في الراديو من جديد، لا أعرف تفسيرا و لكن الفكرة تعمل.
و
هكذا، من حسن حظي وجدت عددا هائلا من البطاريات الميتة، و كانت الشمس مستعدّة لتبعث فيها حيوات أخرى.
لا
تأت الأخبار القادمة في الهواء بشيء جديد.
حرب،
موت، دم، فوضى، رعب، سخافات تلتقي كالأمواج لتغرق كل شيء، لازالت روما الجديدة
تقاوم و ترقص، رقصة الديك قبل أن يَجْهزَ العشاء الأخير.
أحيانا،
قد تأتي الريح بأغنية عن الأمل، سرعان ما يبتلعها صوت الموج الهادر.
كنت
منغمسا في سكون أفكاري شاردا بعيني إلى طوق الأفق فلم أنتبه لتلك الخطوات التي أحاطت
بالمكان و راحت تبدد ذلك الفراغ الذي كان اتخذ شكلا مسخا للوادي. أزعجني تغيُّر المشهد
حين امتلأ بالنشاز فجأة، و عندها فقط رحت أسحب ما نأى من مجسات الوعي السابحة
بعيدا لأشكل مفهوما جديدا للصورة الطارئة.
و
قبل أن تتمكن الحواس من ضبط توازنها اقتحم الخلوة ثلاثة أشخاص.
Commentaires
Enregistrer un commentaire