Fiction
3-حدث أن خطرت لي فكرة الالتحاق بالقوم، هزّني الفضول فأردت أن أعرف
كيف هي الحياة الجديدة.
رحت أقتفي أثر من نجا من الأهل و الجيران و بقية أصدقاء لم تفرقنا الاختلافات
الحمقاء. مدينة الصفيح ابتلعت كلّ نفس، و حوّلت بقايا البشر تحت ضغط الزحمة و إطباق
عقارب الساعات، مثل الزومبي و إن برموشٍ كحيلة و شعر يَبرُق بالجل، يدور الجميع في
حركة لولبيّة نحو القاع حيث يضيق حلق الرحى لتنثرهم فجرا أحياءً، كثوبٍ خَلِقٍ يُلْبَسُ من جديد.
حاولت،
و ما جدوى المحاولة! حتى المحاولات أصبحت معلّبة، تصنع على عجلات دوّارة و تلقى
مرصوفةً في أطباق الاستهلاك ممزوجة بعلب السكون المعطر و صناديق الخلود الأثيرة و
يُحدث ارتطامها صوت التجشؤ البالغ الحموضة و الخالي من الملح. مثل محاصيل الزراعة
في حقول الأحزمة المطوقة بالحرس و المدفوعة غصبا تحت قرقعة السلاح لتزهر و تطلع.
تركتهم
هناك و انسحبت.
الوحدة
ليست قاتلة، كنت أرى الأشياء من حولي ضاجّة بالحياة، العصافير في السماء، الطيور
المهاجرة قضت ليلتها ثم تنادت صباحا للرحيل، الحشرات تواصل طريقها غير عابئة بشيء،
الأشجار و النباتات تكمل نموها و تدور ظلالها راقصة حول الشمس، لا شيء تغيّر في
دورة الطبيعة، كنت النشاز الوحيد.
أحيانا
أتذكر أن عليّ القيام ببعض الأشغال، و أحيانا أخرى لتمضية الوقت، لم أكن مضطرّا
لعمل شيء، في الحقيقة كان عندي مدخرات من الغذاء و الملابس تكفي لوقت طويل جدا، و
لكنها العادة، لا يمكن أن أترك الأشياء للإهمال، ليس أكثر مما هي فيه.
عندما
غادر الجميع ذات يوم غادرت معهم كل مظاهر الحضارة، الكهرباء و خدمات الهاتف و
المواصلات و التجار و الضجيج و الفوضى و أشكال التلوث جميعا، و تداول النور مع
الظلام و السكون مع عزف الريح و غناء الطيور و كلّ الثنائيات المتقابلة التي لم
تمسسها يد إنسان.
تبقى
الكآبة هي السمة المميزة لكل شيء في هذا العالم، و لعلّ هذا ما يجعله جميلا حدّ
الاستهلاك.
Commentaires
Enregistrer un commentaire