Fiction
14-
في الأسفل بدا لي نور خافت يتسرّب من نافذة خلعت حُجُبها
في ليلة دافئة و راحت ترسل أنفاسها البيضاء بعيدا على خدّ الطريق، مِْلت قليلا
محاولا استكشاف مصدر الضياء لكن لم أتبين غير نبات متسلّقة مزهرة معلقة تغطي
الجدران و تلفّها بلون غامق كالليل تزينه نجوم لا تحصى.
كان للقهوة تأثير سريع، أطرد النوم و أنعش البدن للسهر، "لا
بأس في السهر"، شجّعت نفسي.
أغمضت عينيّ و سحبت نفسا عميقا ثم حملت الفنجان بين أصابعي
و اتجهت صوب الباب، كان الباب لا يزال مفتوحا و النور الخافت في الرواق المؤدّي
إلى الدرج ينساب ثقيلا إلى المجال الغارق في نصف عتمةٍ رمادية، نزلت في هدوء خطوةً
خطوة حتى بلغت الشارع.
ظهر النور الذي رأيته من الأعلى متسللا من شباك مفتوح على
مصراعيه كاشفا عما بدا لي غرفة وثائق أو مكتبة حسنة التنظيم ذات رفوف متجاورة على
حاملات رصاصية اللون، بينما كان الباب من جهة اليمين مغلقا. حينما اقتربت أكثر
لمحت الفتاة التي اقتحمت عليّ حمّامي. اقتربت
أكثر و وضعت الفنجان البارد على حافة الشباك الخشبيّ فأحدث ذلك صوتا خفيفا امتصته
الجدران المثقلة فلم يجلب انتباهها ولم يحدث أثرا. بدت منغمسة بعينيها في التهام وجبة
الحروف مرصوفة على طبق من ورق، و شعرها جُمعَ من فوق كتفها ليتدلّى على صدرها
كاشفا رقبتها السمراء من لفح شمس الصحراء، لا بدّ أنّ موسى يكلّفها بمهام خارج مباني
القرية، لا شكّ أنه مكان منصة الاطلاق، قال لي الفتى الضخم أنّ الأمر يتعلّق
بالسفر إلى المريخ.
رفعت الكوب مرّة أخرى و أعدته متعمدا احداث طقطقة أقوى على
اللوح الخشبيّ الأزرق، هذه المرّة نجحتُ. و بدت عيناها حين رفعتهما كخلية نحل عند
أوّل خيوط الضوء و سرعان ما عاد للعسل صفاءه حين اندفعت الابتسامة منطلقة دون قيد.
أشارت لي بالدخول و حين أدرت مقبض الباب كانت تسير منتصبة
لاستقبالي:
-ظننت
أنك نمت، كان يوما حافلا، لا بدّ أنك مرهق.
-كان، يبدو
أنّ السرّ في القهوة، هل هي من صنعك؟
-هل
تريد المزيد؟ تحتاج إلى تسخين فقط.
و حين عدت بالفنجان الفارغ من على حافّة النافذة كان البخار
ينفث آهاته و الرحيق الأسود ينسكب في الإناء الزجاجيّ كليل دامس أريق في قمقم من أثير.
ملأتْ فنجاني ثم عادت إلى كتابها المفتوح على الصفحات
الأخيرة دون أن تقول شيئا، قلت شكرا و سكتت.
موجة أخرى من الانتعاش سرت في كامل شراييني جعلتني أبتسم حين
اندفع السؤال من شفتيّ تلقائيا من خلف الفنجان المرفوع عند فمي.
-مريم،
أليس هذا إسمك!
قالت دون أن ترفع بصرها عن الكتاب: أجل مريم، بديهيّ جدا.
النهايات في الكتب دائما ما تكون مشوّقة فلم
أنتظر جوابا آخر.
حملت فنجاني و رحت أتأمّل الأروقة المتراصّة بالرفوف. كتب
و منشورات بلغات مختلفة و أحجام متباينة و مواضيع تشمل الأدب و التاريخ و علوم
متنوعة تحمل تواريخ متفاوتة بين القديم و الحديث و الشهر الماضي، عجبا كيف حصلوا
عليها، تساءلت.
Commentaires
Enregistrer un commentaire