Accéder au contenu principal

سفر الخروج 11

Fiction

11-
في البعيد لاحت لنا تحت ضوء القمر بركة ممتدّة من مياهٍ سالت مع المنحدر جارفة معها ما استثير من الحصى و صغار الصخور و حافرةّ أخاديد بدت في الظلام كأنها ندوب، و لن تُشفى في القريب. و في انعكاس الضياء على صفحة الغدير لاحت خيالات هائمة كأشباح راقصة لنباتات تعلّمت أن تستمتع بنصيبها الزهيد في حياة  قاسية و شحيحة كهذه الصحراء التي تبتلع كلّ شيء.
تغيّر الهواء و طغت على المكان رائحة كريهة من العفن تطايرت من الماء الآسن و الوحل الأسود و غاصت عجلات السيارة في الطين الزلق قبل أن نبتعد ملتفين حول تلّة من صخور حمراء متربة و نواصل الطريق الذي بدأ الآن يرتفع قليلا متسلّقا في هدوء شديد ما بدا أنه جرف فائق الانحدار قطعته يدٌ عملاقة ذات يوم بعيد و تركته هناك يتأمّل الأفق دون أن يعلم ما يختفي عند قدميه.
-وصلنا،
 قال السائق ضاغطا على مكابح السيارة عندما استدار فجأة عند منحدر ضيّق بين صخرتين عظيمتين.
انسابت السيارة في هدوء حتى آخر المنحدر لنجد أنفسنا فجأة عند أسفل الجرف.
طريق مبلّط بحجارة ملساء و مستوٍ كأتمّ ما يكون الاستواء، يمتدّ بعيدا
 كنهر هادئ لترتفع على عُدوتيه صفتان أنيقتان من المباني الصفراء و البنّية من طبقتين أو ثلاث بنوافذ خشبية طليت بالأزرق كما في سماء الصيف، شارعٌ نظيف تظلله أشجار خضراء باسقة و نباتات متسلّقة تغطي النوافذ الموصدة و أنوار خافتة تضيء الشارع المقفر، لا! ليس مقفرا، هناك حياة مفعمة بالبهجة و الأمل إن تأمّلت قليلا تراها فاتحة ذراعيها لاستقبالك... إن كنت ترغب في ذلك.
صرت أرغب في ذلك.
ركن السيارة قبالة أول باب و نزلنا.
جعلت حقيبتي على ظهري و أخذت أتملّى المكان. عزلة تامّة و تخفٍّ متقن، أضف إليه شاعرية المكان و القمر الصاعد لتوه كموقد جمر صافٍ على صفحةٍ داكنة السواد. تنفّست، سحبت هواء نقيّا إلى صدري و شعرت بالحياة.
دلف الطويل عبر الباب الأول في حين أشار لي صاحب النظارتين بالدخول. أما السائق فقد انسحب في صمت.
كنت أرغب في استقبال الفجر هنا في الخارج لكن الإرهاق و الرغبة في النوم كانتا تدفعاني إلى إنهاء هذا اليوم.
في الداخل كان الهواء دافئا و عّطِرا، رائحة القهوة!
كم مضى من الدهر على آخر قهوة؟ بحثت في الذاكرة لكني لم أجد شيئا بذاته، كانت الرائحة فقط و مشهد ضبابيٌّ لفنجان أبيض و البخار يرقص. تمنّيت أن أحصل الآن على قهوة و كرسيٍّ مريح، لا سجائر، أريد كتابا و أغنية حالمة تحملني على جناحيها إلى النوم.
ستقابل الآن نائب الزعيم، هارون، ثم آخذك إلى مكان إقامتك.
قال صاحب النظارتين
كنت أريد أن أرمي في وجهه لكمة حين جمعت قبضة يدي، لكن ملامح وجهه و طريقة نطقه الجادّة جعلتاني أقرّ بصدقه، على الأقل هو لا يسخر مني.
-الأسماء هنا مستعارة، لا أحد يستعمل اسمه الحقيقي، نريد بطريقة رمزية أن نحاكيَ أحداث تلك القصّة، بإمكانك أيضا تخيّر اسم مناسب. قال المرافق الطويل موضّحا قبل أن يستدير مغادرا.
كانت قاعة كبيرة، مربّعة الشكل و فيها نوافذ كثيرة تحجبها ستائر ملونة  تنسدل حتى الأرضية الفسيفسائية مما يعطي انطباعا بحضور فن البناء الروماني تؤكده النقوش البارزة في الحيطان و الأثاث الخشبيّ الذي يملأ القاعة. قاعة الاجتماعات و لا شكّ.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...