Accéder au contenu principal

المقامة الأخروية

حدّث زكرة قال:
لمّا نَفخ النافخ في البوق، و شَرقتْ بالدماء العروق، و سُدّت كلّ الشقوق، قمت أنتفض كالمخنوق، فإذا الأحباب ملؤوا الطريق، و قد بانت عوراتهم، و انكشفتْ مؤخراتهم، شُعْثًا صُفرا، غُرْلاً غُبْرا، إلا شيخين، عليهما حُلّتين، وُشِّيَتَا بصورتين: نخلةٌ مُنمَّقَه، و حمامةٌ مُطوَّقه، و قد غَذّا في السّير و سَبّحا، حتى ابتعدا و أشبحا، و خلفهما رجلٌ حِمْريتٌ، كأنه العفريت، قد أكفتَ شُلْغُومَه، و لَفّ به وسْطَهُ و حَيْزومه، و حثَّ الخُطى يَقْفو، يُهرول حينًا و يهفو، و في يده مرزبّةٌ ثقيلة، أخذها بالحيلة، من الأزَبِّ الأقرع، بعد أن جادَلَهُ و أقتَع، أن وسائل الإنتاج مُشاعة، و مِلكٌ للرّفاق في الجماعة، و أنّ العنفَ للدّولةِ حصْرًا، إذَنْ فالمرزبّةُ للكَمَرادِ حكْرًا.
و الأرضُ يومئذٍ غيرُ الأرض، أقربها إلى الطّولِ من العرض، قاعٌها قدْ صَفْصَف، لا نَبْوَةَ فيها و لا رَفْرَف، إلاّ شَعْرٌ مُهَفْهف، و لَحْمٌ مُطَفْطَف، مَلَأَ العًرَصات، و سالَ إلى الجنبات، و الَحرسُ حينئذٍ صافّات، و الشمسُ قابَ قوسين، و الرّيحُ "خَماسين"، و الغبارُ ملأَ العينين، لا تدْري أتبكي أم تعطس، كَطَقْسِ شهرِ أغُسْطُس، و الكلُّ في عَرَقِهِ يغطُس.
و نفضْتُ عنّي الغُبار، ثمّ قُمت أبحثُ عن سِتار، أواري سوءتي عن النظّار، حتى وقعت على خرقةٍ من إزار، طيّرتها السَّمُومُ إلى الجدار، فأحطتُها بالعورَة، و زَيَّيْتُ بها الصورة.
كلّ هذا و لا أغفل، و لا أطرِِفُ رمشًا ولا أسبل، عن تعقّب العجوز الطُّرْطُبّهْ، و صاحبه الهِرْدِبَّهْ، و ثالِثِهِما الشّنَبّهْ، و قد أوغلوا في البعاد، و نأوْا عن السّواد، فقفوت آثارَهم قصصًا، يَهزّني الفُضول تلصُّصا، حَابِيًا أو زاحفا، على أربعٍ أو واقفا، حتّى أدركتهم عندَ شُجَيْرَة عَرْعار، على شفا جُرْفٍ هار، توارى خلفها معبَر، قُدَّ من زُبُرٍ أصفر، و عنده صخرةٌ مَرقّمة، عليها أحرُفٌ مُطلسمة، و عند آخر القنطرة، بساتينُ مُثمرة، و أنهارٌ مُفَجَّرَة، فتَلَبَّدتُ كالهرّ، و أصَخْتُ بأذنيَّ للسرّ، فإذا بصاحبنا الأحمر، واقفٌ ينظُر، و عينه بالشرّ تُنذر، ثمّ قدّم ساقًا و أخّر، و اقتحم عليهم و َ زمجر، فإذا الشيخان يتناجَيان، و قد تشابكت اليدان، و التصقت الرّكبتان، و ارتعشت الشفتان: فلنعبُرْ إلى البستان، و جنّاتٍ ذات أفنان، قبل أن يُدركنا العَذول، و ذاك الشّقيُّ المهبول، صاحب النفَحَات، من حزب المرايات، أو ذات الصدرين، من جماعة الحكوكيين، و شرّ البليّة، لو ضبطتنا شادلية...
و كالموت الزّؤام، انقضَّ ابنُ همّام، هادم اللّذّات، و قاطع المناجاة:
تأهبْ مثل أهْبَة ذي كِفاح__فإن الأمرَ جلّ عن التّلاح
وإني قد جَنَنْت عليك حرباً__تغُصُّ الشيخَ بالماء القراح
و أسْقِطَ في اليدين، و أغْمِيَ على الشيخين.
فقام إليهما في الحين، و مزّق الثوبين، و قيَّدهما برباطٍ متين، ثمّ حان منه إلْتِفات، فعرف منّي الصفات، كالنّار على علم، فاطمأنّ و ابتسم: انطلق يا شيخ إلى الآريا، فأدْعُ جماعة البروليتاريا، واحذر المندسّين، و تلك التي اسمها بن صدرين، و عدْ إليّ في الحين، ودع أصحاب اليمين، حتى يعبروا الصراط ، و تدمى أدبارهم بالضراط، أما نحن فسنعبر الهَفهوف، إذا وحّدنا الصفوف، من هذه البوابّة، ثم نُدمّرُها بهذه المِرْزابة، لا نخاف دركا و لا نخشى، و من تَبِعَنا سيغشاه ما يغشى، و سنقيم دولة العدالة، و لْتسْقُطْ العمالة، و امبريالية رأس المال، و المجد للعمّال.
21 فيفري 2016

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...