Accéder au contenu principal

Articles

Affichage des articles du décembre, 2016

في رُبى الجنان 7

خمدتْ أنفاس النار و تفرّق من حولها السّمّار، و عن نفسي، فقد آويت إلى الدّثار، بعدَ أن قضيْتُ السّنّة في نفضِ الغبار، بطرفِ الإزار. و ما أن لسعني برد الفراشِ بسياطه، حتى غمرني الدّفء بهناءه و حلّ النّوم في المفاصل، و أطبَقتْ الرّموش الذوابل. و إن نامت العين فإنّ قلب المؤمن لا ينام، و حبل الوصل مشدود الزّمام، فاخترقتُ حجاب النّور إلى حياة السّعادة و الحبور، و رأيتني أعبثُ بالسّماط، على ظهر البساط و قد لاحت السّوق أمامي و تناهى إليّ ،منها، صخبُ الكلام. فترجّلت عن الصُّهى، إلى نديِّ الثرى، ثم طويتُ الخرقة على عاتقي كفاليجة على سنام بعير، و تقدّمت أسير، فإذا هي تخفقُ في سمائها البنود، و تتمايس في زحامها القدود، و لافتة مكتوبٌ فيها: "لا تنسَ دعاء السوق" و أخرى تستعيذ من الفسوق، و غيرها مما سنّ ابنُ الفاروق و لهجت به الحلوق. فرحتُ أتمشّى بين النُّصب، و فيها من كلّ عجب، و في ظنّي أنها مما طرحت حدائق النعيم، و فاضت عن كلّ مُقيم، و مما صنعت أيادي الحور و ربّات الخدور، فسألت أحد الباعة، عن سرّ الصناعة، و مصدر كلّ بضاعة، فقال: لعلّكَ من هيئة الحسبة! أو أعلاهم في الرّتبة! إنّ كلّ ه...

كلاب

تلاعبَ بالرّياسةِ شيخُ بعْرٍ بِدرْوَشَةٍ أتاها في كِتاب فدانَ له غُثاء السّيل حتى رأيتَ الموتَ يسعى في التّراب و آزرهُ علانِيَةً شُيوخ بِفقْحَتِهم ترى أثر الضِّراب و آلُ سعودَ إذْ نثروا و هالوا عليْهِ ريالهم و على القِحابِ و كان له مِن السّند الوضيع سماسِرَةٌ، نَعُدُّ مع الكلابِ و زادَهُمُ الخِداعُ سُمُوَّ شأْنٍ إذا المملوك فَصّل في الخطاب لعلَّ اللّيل كانَ لهم هنيئا و قدْ رقصَ الغُرابُ على الخرابِ و غنّى الفأرُ للجرذانِ صوتًا نعيق البوم في الأرضِ اليبابِ سيأتي الصُّبْحُ، إنّ الصّبْح كان لناظره، يُفَتّحُ من... سَرابِ

شمس الميلاد

غدا،  تولد الشمسُ،  بعثًا  جديدَا.. . و من رَحِمِ الظُّلُمات تُنيرُ سماءَ الحياة بِخَفْقِ قُلوب رمى العِشْقُ منها الوريدَا غدًا، ترسُمُ الشّمسُ، يوما سعيدا  على الكلمات  و أشواقِها إذا أخذتْها الدّروبُ بعيدا كَحضْنِ صديقٍ كَكَفِّ رفيقٍ يُردّدُ: يوْمًا مجيدا و عمرًا مديدا

وحش الفلاه 12

  اليوم الخميس، و البلدة المُطمئنّة تسبقُ غَدها بحفنةٍ من بخور، و الكثيرِ من الماء، و تُسرجُ الشموع و القناديلُ في الغرف المُفتّحة باكرَا هذا المساء، و الأعمالُ تُعرضُ على السماء. و إلى السّوقِ تَسْبِقُ الصّناديق. برَّدَ بالعصر و انطلق، حتى إذا كان في المفترق الضيّقِ توقّفَ برهةَ. نظر عن يمينه بعيدا، السوق تبدأ من هنا، النسّاجون يستلمون و يُسلّمون و يتفاوضون مع النّسوة حول بقية الثمن و  أمين الصّاغة تلمع طاولته أمام دكّانه و باعة الخردة لا زالوا يفكّون الأربطة و غدا يكتمل الانتصاب. ألقى التحية على فرقة العيساوية وقد اكتملت عدّتهم لإحياء بعض الأفراح و غادروا الزاوية، زاوية سيدي بن عيسى الصّوفيِّ المعروف التي عادت ملكيتها إلى الدولة فجعلت منها نقطة لتوزيع المساعدات و تقديم الحساء الساخن لمن يوافق عليهم الشيخ -العمدة. عندما استأنف الطريق أمامه خطر له أن يلقيَ نظرة على احتفالات الزاوية و يسرّح بصره في ما انفرج من الباب و يستنشق هباء البخور و الحنّاء، فانعطف يسارا ملتفّا حول الجامع الكبير حتى تناهى إليه وقع الدفوف و بعض القهقهات الغضّة فعضّ على لسانه و أبطأ السّير. ساحة ا...

6 في ربى الجنان

على إثر هجعة القائلة، مسّتني –ليلتي تلكَ- غفوةٌ زائلة، و انتبهتُ فإذا قد لبسنِيَ السّهر، و زمّلني الأرقُ بالدّثُر، فقلْتُ الصّلاة الصلاة! و نهضتُ للميقات. و ما هي إلا ركعات حتى تفسّح السّهاد و ذبلت العين للرّقاد، و رأيتني بفضل المولى أهمزُ بساطي فيستديرُ بإذن ربّه و ينساب مُوازيًا السّور  حتى بلغنا أيكَةً لم أرَ مثلها من قبل، أشبه ما يكون بشجرة المُرّ في بعض سُفوحِ عدن، تتشابكُ أغصانها كحكايا السّمّار في يومِ قرّ، و تمتدّ كما بين المشرق و المغربِ، و العيون مُتفجّرَةٌ من بين تجاويف جذعها، هذا عذبٌ فرات و هذا خمرٌ دِهاقُ و ذاك لبَنٌ غيرُ مَضير، و تلك عينٌ حمئةٌ و هناك عسلٌ مصفّى و أخرى لم أتبيّنها. قلت للقينة و قد مال المركَبُ بنا ليحطّ: -يا جارية أبْسُطي رداءك أعبّأْ لكِ شيئا من اللبان لأمّ البنين، فإنّي قاصدٌ السّوقَ من حيني. و لمّا رفعت طرف ثوبها انكشف المستور  فدعوتُ على نفسي بالهلكَةِ و الثّبور و حزتها عند مقعدٍ من ساجٍ مُغلّفٍ بالحُليِّ و الديباج، حتى خمدَ ثبير، و عندها طابَ ليَ المسير. و ما أن عزمتُ حتى انفرجَتْ في السور فُرجة و إذا هو طريقٌ مرصّفٌ بالعقيق و ع...

وحش الفلاه 11

عندما اقتربت الغجريتان تفاجأ ڨدّور بالوحش منتصبا أمامه مُشهرًا سبّابته و ابتسامةٌ خبيثة بين ما تبقّى من أنيابه، فرفع حاجبه مستعجّبا فيما بدت إحدى عينه كالقازوزة طافية في البياض: - ڨدّور! ما رأيكَ أن أجعلَ إحداهنَّ تجلس في حجرك؟! كان صوته قويّا و حادّا، بينما كانت أصابع يُمناه تتحرّك مُنْتصِبةً باتّجاه القادمتين كأنّها مع الإبهامِ تُطبقُ على تميمةٍ ثمينةٍ. و دونَ أن ينتظر الجواب، راحَ يُرتّلُ بعضَ التّعاويذ المتقطّعةٍ و حشرجة صوته تُعمّي كلّ بيان، و في الآن نفسه مُفسِحا المجال لإحدى الغجريتين. غجريتان، بلباسهما المُميّز و الأقراط و الأساور و التمائم كأنّها أنواطٌ صاخبةٌ في يومٍ عاصفٍ بالألوان، إحداهما عجوز و إن لمْ يبدُ عليها ذلك، و الأخرى ربّما تكون ابنتها، شابّةٌ يافعةٌ تتوهّجُ بنعمةِ الحمرة و الامتلاء، و حزامٌ ناريٌّ يحرُسُ جوفًا أصابه الضمور فيما زادت فتحةٌ جيبها عن المألوف قليلاً. لم تنقطع تراتيل وحش الفلاه حتى عندما تقدّمت الفتاة صوب سي ڨدّور كمن يسير نائما فاقدًا ادراكه، و حين بدت كالمترددة اشتدّت عَزمتهُ و تسارعت الكلمات في نبرةٍ مُلِحّةٍ جعلتها تستدير و تجلس ملء ح...

وحش الفلاه 10

نقر رَكَعاته ثمّ سوّى كبّوسَه و سحب الباب خلفه و انحدر على يسار الزّقاق متفاديًا قَزادرَ1 و أسطُلَ الفضلات التي أهملها عمّال البلدية فحضنتها شمس أوسّو حتّى تخَمّرَتْ و استحالت عصارةُ السردين و قشر البطّيخ و كلّ ما فرَّطتْ فيه قطط الزّقاق و دحاجات لَلاّ زكية السائبة –إلى جعَةٍ دافئةٍ تُسْكِرُ أسراب الذّباب الأسود و تُهيجُ أشجانَ الذباب الأخضرِ فيُدوّي بالغناء. عند رأس الزّقاق وقف مستندًا إلى عمود الكهرباء. تأمّل عن يمينه و شماله. الشّيخ ڨدّور يُصعّد الطّريق بعد أن أحكم قفل الجامع، و المدّب تحت قُبّة الكتّاب أغفل اقفال بابه، ربّما ينتظر فطورا أو عطاءً من أحد، و هناك عند طرف البطحاء عمّ الهادي و جماعته ينحدرون إلى الڨاراج، لعلّ ميشلان عاد من صفاقس، أما عن اليمين، في اتّجاه السوق، فقد اتّسعت حلقة الجُلَساء في الظّلّ الشّرقيّ حول سي حامد المتصدّر على كرسيّه لافّا ساقا بساق و ذيلُ بقرةٍ يهُشّ به على ذباباتٍ لا تيأس، و في الحانوت المقابل، الذي اكتراه سي ڨدّور حديثا حيث يقوم بنجارة الأوتاد و مختلف أخشاب التي يحتاج إليها الفلاحون ، اجتمع شبابٌ من بُيوتات الحيّ يُنْهونَ تقريبا الجرية الأخي...

كلام

هذي القلوب بخفقها تترنّم ___ لو أنها نطقت بما تتكتّم! و تحدّثت عن شوقها و هيامها __ لرأيت منها الثّغر حين تُسلّم و تميل عند لقائها في رعشةٍ __ فكأنّ في لغة الهوى تتكلّم

5 في ربى الجنان

و بعد الصّبح قرفصْتُ محتبيا ثوبي على العادة و السّنن، و في يدي عود أحمِشُ به النار طورا و أخطّ به في الأرض بعضَ الفِكَر و أصغي في اطراقتي تلك لوقع المطر و هدير البرّاد إذْ ينهشُ الجمر قعره، حتى انتصف النهار و حان وقت الافطار. ثمّ كانت لي إتّكاءةٌ فغفوة فرؤيةٌ لا يَشوب أفقها ضباب و لا قُبّتها سحاب و لا تخاتَلَ في فجاجها ذئاب. و فيما يرى الرّائي بالحقّ شهدتُني في حُلل من دمسق، على سجّادة من استبرق، أجوب الفضاء، بين سماءٍ و ماء، و خُضرة و بهاء، و القينة عن شمالي تعبث بلحيتي حينا و بالعمامة حينا آخر، و تتثنّي في دلال يقطع من فتنته الأوصال، فتثمل من ريّاها العين و تغدو الخمرُ  كماء المزن. فقلت لها: يا جارية غنّيني هذا الصّوت: ما عاد يملأ رأسي خمرُ داليةٍ صُبِّي جمالَكِ حتى يمتلي راسي  كلُّ النساءِ أحاديثٌ بلا سندٍ وأنتِ أنتِ حديثٌ لابنِ عبَّاسِ** فحرّكت عودها و انثنت طربا، حتى كدت أمزّق حلّتي و أخرج من ملّتي، ثمّ ملت عليها في عنان السماء و البساط يسري في بطء و يهتزّ  من أثر النزّو و المزّ. حتى كنا عند طرف الفردوس حيث ينتصب سورٌ شاهق الارتفاع ترفرف فوقه أع...

وحش الفلاه 9

9-عندما غادر سي عمر، أغلق وحش الفلاه حانوته و اتجه مباشرة إلى بيته في عمق الزقاق الملتوي و هناك ترك باب السقيفة مُشرّعا حتى يتحرّك الهواء الخامد إلى الخارج  بتأثير فارق الضغط. و في الداخل، رمى الجبة على كرسيّ من أعواد السدر شَدَّتْ دعاماته في ما بينها أربعة أقواس و تشابكتْ في ضفيرة أنيقة لتكوّن مسندَ الظهر. و في المطبخ المطلّ على الصحن يسحب إناءً من فخّار عليه غطاء قُفَّ من سعفٍ ملوّن، و دون أن يجلس، يُتابع الغرف و القذف في حلقه كالمطارد، ربّما كانت بَسيسةً من قمحٍ حصل عليه هبةً أبّان الموسم من أحد المزارعين الكرماء و أعدّتها له إحدى النسوة بمقابل عينيٍّ. أحكم الغطاء و عاد إلى السقيفة ليكرع من جرّة الماء الفخارية التي تغيّر لونها إلى الأخضر بفعل الندى السائل من مسامها حتى القاع حيث تجمعت بركة صغيرة كالغدير قاتمة بالظلال. سار إلى الباب و جعل بينه و بين لوح الحائط صخرة صمّاء مستطيلة يميل لونها إلى الأحمر من نحت الأقدمين و عليها نقوش طُمستْ و عفت عليها الأيام، لعلها حُملت من بعض الخِرَب حول القرية، ثم سحب ما يبدو تاجا لسارية لا تزال زخارفها ناتئة و أسندها إلى باطن الباب فأوثق حر...

في ربى الجِنان 4

4 مرّت ليالٍ بعد ذلك لا يُنْتَجَفُُ منْ ثراها نشْفََةٌ و لا يتنزّلُ في قيعانها رَئيٌّ، إذا أسبلتُ جنبي خَمَدْتُ كجيفَةٍ قالتْ عليها السماء حتى أذن الله للتعب فرُفِعَ و للرّواءِ فوقع، و انقشع الضباب و امتدّت الرؤيا في الأفق و ندفّق سيل الرؤى بالحق . و لمحتُني على السجّاد المُغرّر بالثرابيل، أعلو الجنانَ من القُُطر إلى القطر و جاريّةٌ تُدوزِنُ ربابَةٌ من فيروزٍ أوتارها تتموّج بالنور ، فإذا مالت نحوي رشفت و إذا رجعَتْ سرحت و الطّير لها ردٌّ و رجع على رؤوس الباسقات و هي ذخر المؤمنين من الباقيات الصالحات و الزّهرُ من تحتنا كنسْجِ ألوانٍ دُقّتْ بالقيروان و الأنهارُ تجري باللذة الصافية و النشوة الجارفة فيثملُ الرّوضُ و يتمايل راقصًا و يعللُه النسيم . و عند دوحةٍ كأنّ أفنانها صواري الفُلك حطّّ البساط على أديمٍ من حصىً مبثوثٍ بالمسك و العنبر و الكافور تبرق خلاله شذرات التّبر و الياقوت، و تراءى لي خيال بين الخمائل و الخُمُر، فقمتُ أتقَنَّصُه و أقفو شبحه فإذا هو –أثابكم الله- غُلامٌ أمرَدُ –حسبته و رَبِّكُم لؤلؤًا منثورا- مُعقربَ الصّدغيْنِ، سالَ الطيبُ على جبهته، قد تزنّرَ بحزامٍ من استبرق...

وحش الفلاه 8

8-أتقنَ وحش الفلاه تمثيل لحظة الفزع فلم يلْتَوِ كاحله حين همّ بالوقوف و على ملامحه علامات مصطنعة من الارتعاش لكنه تساقطَ على الكرسيّ و تدفّقت من فيه سُبُحاتٌ من التعوّذ و الاستغفار، مما زاد في اضطراب سي عمر فلم يلمح أثر المكر يبرُقُ في زاوية العين. -يا لطيف يا لطيف من أنت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم استغفر الله... و كما أنشأ دفقَةَ الفزع عادَ بمسحةٍ على وجهه إلى وقاره القديم. -ما الذي حصل يا سي عمر و ما جاء بك و قد غرْغَرَتْ أنفاسها القائلةُ في السماء و فاضت بالقارِ عيون السّبُل؟ -يا عم صالح أدركني... عندما ذهبت أربط الأتان عند الخرّوبة كان هناك على الأرض خطوط بيضاء مرسومة بشيء كالدقيق يتجنّبه النمل كدت أطأه بقدمي... قل لي هل هو من عمل الجنّ!؟ استوى وحش الفلاه و حوّق عينيه كأنه يعصر الانتباه من أحشائه عصرا: - و كيف هي هذه الخطوط، هل تذكر أشكالها؟ -دائرة كبيرة مثل بطاش الجمل و دوائر صغيرة و فيها خطوط مثل جُرَّة الدجاج... أطرق وحش الفلاه كأنه يفكّر و يستنتج ثم رفع رأسه تسبقه ابتسامةُ المبشّر: -هنيئا لك يا سي عمر، هذا من عمل الجنّي، و هو جنّي مسلم لن يضرّك. هنا ار...

في رُبى الجنان 3

ثمّ كانت ليلةٌ من الأرق يتناثرُ زبَدُه مرتبكًا كفقاقيعٍ راغِيَةٍ عند قصعة صابون رديء الزّيت، و تبرُقُ ألوانها بألف لونٍ من الضّجر. إن لاحظتَ، فالأرقُ يُلهبُ الحرَّ في الجوِّ حتى يتقطّر العرقُ في ليالي كانونَ. و بين الغفوة و الغفوة هوّة بلا قرار من السّهاد يتراءى من خلالها السقف كالقمر البعيد عبر فوهة جبّ في دارٍ مهجورة. و كلّما انتبهت رحت أجمّع لَبِنات الحلم المتشظية بين ثنايا الدثار و أعيد رصفها لتكوّن حلبةَ لمسرح الرؤيا. ارتفع البساط النورانيُّ و استدار يقابل الشمس فاكتست زئابرُه ألفَ لَمْعٍ في حين كانت أهدابُه تصفّ و تُمسكُ مثل أجنحة الطّير. ثمّ كنتُ عند أعلامٍ تحفّ نهرا يجري بخمرٍ لا شائبة فيها و من تحتها يبينُ تُراب الكافور نقيًّا كالحليب. و عند إحدى تلك الأيات لمحتُ جارية تتوهّجُ كقارورة من زجاجٍ فيها مصباحٌ تُبهر الأعينَ بالضياء: -يا أمَهْ! من أنت و أيُّ برْقٍ شَرَقَ بكِ إلى هنا!؟ -أنا رشا رسول أم البنين تدعوكَ أن أقبلْ فإنّ الشوقَ بلَغَ الزّبى. -ارجعي فقولي أني أعود قريبا... ثم خطرَ لي: -يا جارية، أتعرفين أبا نواس و جارية عنان؟ فتبسّمت عجبا و تلوّت ك...

في ربى الجنان 1+2

 حدّثنا زكرة بن نافخ قال: الليلة الأولى بعد أن وجدنا أنفسنا في مقام القرب و النجوى حبوا على الرّكب من تحت العرش، ثلة من الآخرين علينا خلقٌ من أثواب الدّين بعضها يَقْصُر و بعضها يتكركر، غطسنا في حوضٍ مُرجّلٍ بالمسك و الكافور و العنبر عند عُدوةِ الكوثر فإذا بنا أترابًا يافعينَ في خلقٍ جديد، بيضًا حُمرا، قَطَطَ الشعر أسودها، غُرْلا كخطم الفيل، تتلألأ الزرقة من العيون،أُذِنَ لنا بخلعٍ من ديباجٍ و ياقوت تليق بمقام الاصطفاء و الفوز. انطلقنا تحملنا على ظهورها ملائكة يترقرق الجمان من زغبها حتى منازلنا. قال الملك الموكل بخدمتي: -هذا ربعُك فاسرحْ! فإذا بي أمام قصر كأنه زمرّدةٌ منحوتة و خلف القصر قصور لا تُحصى في العدّ كلها مطوّقة بأسوار شاهقة و إذا بألف ألفِ جارية و غلام يستقبلونني و البشر في عيونهم كالبرق الخاطف. ثمّ حملوني على محفّة من نورٍ حتى غرفة تجري من تحتها الأنهار و يرتع في أجوائها غريب الطير الصّادحة و إذا بنور يجمع ألف نور يتوهّج من فوق سرير من قصب الذهب تحيط به اليواقيت و الجواهر و تتدلى الثريات من فوقه. و إذا بصوت كدغدغة النسيم في يوم قائظ ينادي: -ألا أقبل إلينا ...

وحش الفلاه 7

تدقّ القيلولة أوتادها للمقام. خيط الظلّ عند عتبةِ الحانوت كشريانٍ أسمرَ يزداد سمنا كأنّه يتغذّى مباشرةً من وَهجِ الشمس، و الأجسادُ تتلبَّطُ بين مسامِّ تنِزُّ  و ذبابٍ يئزُّ. هزّ وحش الفلاه كبّوسه بيمناه يحرّكُ هواءً و يطردُ ذبابًا بينما يسراه تآزِرُ رقبته حذَرَ الوقوع، و بنصفِ عينٍ راقَبَ انزلاقَ الفيء. انتصف النهّارُ. و أطبق جفنه. سمع وقع خطوات فحرّكَ أذنيه و أصغى... أوه، هذا سالم ولد الحاج يكرّ شلاكته البلاستيك عائدا من عمله الإداري، فمَرْوحَ بيده على جبينه و عاد لغفوةٍ قَلِقَة. بدأ نسيج الخيبة يلُفّه و نشيج اليأس يدبّ في أوصاله كالحمّى و قطرات العرق تُغرقه حتى أنفه في بحرٍ من الضياع. "لا يمكن، مستحيل" قال، و هو الخبير في الحلّ و العقد. "لا بدّ أن شيئا حال دون نجاح الخطة". و كادت عينه تدمع من الحسرة لولا وقعُ حافِرٍ بعيدٍ على الإسفلت يتردّدُ صداه في الصمت المريب. و بين الشكّ و اليقين و اليأس و الرجاء بدت له اللحظات مقعَدَةً بلا دواليب، و الصّدى يقتربُ و يتغوّلُ حتى كأنّهُ يلتهمُ الكون بأسره و يلْفظهُ ثِقَلا مُكوّرا على صدره الواهي. -كُنْ سي عُمر!...

وحش الفلاة 6

اختصر الطريق إلى السوق عبر أزقّة جانبية و قد تغبّرت بلغته و تسلّلت بعض حُصيّات بين اصابع قدميه دفعته إلى قذف بعض الشتائم من بين رباعيتيه أفزعت قطّا كان يواري سوأته نبشًا في كومة كُناسةٍ من تراب أسفل عتبةَ بابٍ مفتوح. في بطحاء السوق –قبل أن ينتصب وسطها تمثالٌ نُحاسيٌّ لتلميذ يتأبّطُ خُرجا – رُكنت، كما اتّفقَ عربات أسْدلتْ حميرُها آذانها و غفت واقفةً فقليلا ما نشّت أذنابُها ذُبابًا ما فتأ عطْشانا أبد الدهر. على العربات غلالٌ عجفاء و خضر و بقول مما نزح البئرُ أو ما مسكت رؤوس الماء فيما نَقَعَ السّيل و دجاج هزيل تُركَ يسرحُ على وجهه و وجه الأرض و أرانب شُهبٌ و شُخْمٌ نجت من جدب سنةٍ شخماء، طاف بينها عم صالح يتذوّق من سلال القصب أو صناديق الخشب كالمُقلّب للشراء، حتى إذا وصل لطرحة من بطيخ و دلاّع نقَرَ قادوسًا بطرف قدمه و انحنى ليلتقطَ فقّوسةً في طول ذراع، قال: -بكم ولد الڨمرة يا سي فرج؟ -فرشكة يا عم صالح، شوف عنقودها... مضى وحش الفلاة و هو يقول بصوت مسموع: -بين الما و الفقّوس كان تحريك الزروس. و الفقّوسة في يده، و غاب في الزّحام تاركا سي فرج يجترّ لعناته الألف. "أ...

وحش الفلاه 5

  اندفع البغل يخِبّ كأنّ قوّةً راقصَةً استعمرت كيانه و راحت تنظّم وقعَ السّير على الآهات التي تطلقها الدواليب و تضبطها على أنين خشبات العربة و في خلفية المشهد صدى وامضٌ لطَرَقات الحمار الأسود الأنيق على الثرى الجافّ. عند اقتراب الركب من أرض الحاج محمد تحوّل لون الطريق إلى رمال حمراء كاللهب البارد تجري خلالها بُقع من حصًى أبيض كالرماد مما حملت سيولٌ فَتَرَ عزمها فلم تطفأْ عطش الأرض. حين تباطأ الاندفاع و سكنت آلام العربة قفز عم صالح على أطراف أصابعه منحنيا على ركبتيه حتى لا يستثير آلام مفاصله ثمّ استوي منتصبا على الرمل الطريّ. ارتفع صوت النباح و اقترب، و تراءى عدد من الكلاب جاؤوا يطوّقون المكان بأذنابهم المرفرفة و فرائهم اللامعة بالنّدى حين تلمسها أشعة الشمس المتسرّبة من الأفق. -يباركك الله يا حاج، ربّما أمرّ يعد ساعة لكأس شاي، أربط الكلاب. اكتفى الحاج بحركة من رأسه، في حين كان وحش الفلاه يعلم أن لا شايَ و لا نار توقد عنده، فكلّ ذلك تبذير و مضيعة للوقت بحسب عادة الحاج المحمد و وصايا امرأته الحاذقة. لمّا يستقرّ الضّحى بعد، و قطرات الطّل على خضرة النباتات تك...