زحام
...
في
الغرفة المجاورة زحام على أشدّه.
طاولةٌ
مثقلة بأوزارها و كرسيٌّ ينوء بخفّةِ اللاشيء، و الشّبّاكُ أوكِأَ في وسطه تماما
بعقدةٍ ثقيلةٍ من الصمت.
الباب
نصف أصمٍّ، مُطْرِقٌ في لا مبالاته.
استلقتْ
كُتبٌ نصف عارية كأجْسادٍ مُنْهكَةٍ حُشِرَتْ في بوْتَقَةٍ من لذّة عمياءَ فلمْ تحْفَلْ
بدمامَةِ عُرْيِها، و أوراقٌ مُبَعْثرَةٌ كأثْوابٍ نُزِعَتْ في لحظاتِ اشتعال الحُمّى
و أهملتْ لِتَنْزِفُ صُداعها ثرثرةً على جسد الطاولة كأثرٍ أزرقٍ شاحبٍ أقرب إلى
كدماتٍ منه إلى قُبُلات عنيفة.
منفضة
السجائر كمجمرة بَخُورٍ ساكنَة فلم ترسلْ أرواحا راقصةً و لم تبْرُقْ عيناها و لم
تتأوّه، ظلّت كتومةً إلى أقصى حدّ حينَ رَفَعتْ حاجزا ضبابيا طوَّقَتْ بهِ فوضى
الزحام كأنها تخشى أن تفيض هذه الفوضى إلى العالم الساكن عبرَ أذن الباب الأخرس.
عبثًا،
في الخارجِ كانت عمائَةٌ من سديمٍ قاتمٍ و كثيفٍ تنسلّ في بطءٍ قاتلٍ من جبْهة
الأرض و تقف مُرْتابَةً بين الهُنا و الهناكَ بلا حراكٍ كالعَرقِ الذي أضاعَ ذاكرَةَ السّقَمِ
فاستندَ يَسْتَرْجِعُ رائحَةَ الحُمّى على الجدران و النوافذ و جذوع الشجر ثم يهْمي
كدموعٍ باردة سافلة.
قد
تبدو السماء للرائي في لَحظَةٍ محمرَّة الخدّين، ربّما خجِلَةً من نفسها و ربّما
من أثرِ شهوةٍ لم تُدْرِكها، لكنّ وشاحَ السواد الشفاف يكشف باستفزازٍ غيظها
المتواري خلفَ ضفائر العجوز الشمطاء المتقدة بالغضب، فتُسْقِطُ دمعتينِ ثقيلتين كاليأسِ
و الحسْرَةِ غُلّفَتا برصاصٍ ملتهبٍ...
Commentaires
Enregistrer un commentaire