مذكرات عبسلام
الموسم الثالث
الحلقة12
رأى عبسلام
الكواكبَ ترقُص من حوله، رآهم له يغمزون، فعَدَّهم- لتمضيَة الوقت.
و كلّما
أعاد الحسابَ إلا و ظهر له كوكبٌ جديد حتى بلغوا إحدى عشرَ أحصاهم عدًّا، و وجهُ
شيخِه كالكوكبِ الدّرّيِّ يضيء و لم تمسسهُ نار. قال: "سأكتُمُ ما
رأيتُ"، و انتقلَ يعدُّ أصابعَ يديه في الظلام و قد اتّسعت حدقتاه كقطّ يترصّدُ
حركة.
و بينما هو
كذلك إذ تدلّى سببٌ من السّماء، و سمعَ ارتطام جردَلٍ على جنبات البئر و تناهى
إليه صريرُ الحبل يحتكّ على الغارب كنفح الشياطين في قوائل الرّمّان.
و استعدَّ عبسلام.
و ما أن
بلغَ السطلُ القاعَ محدثًا دُوَّةً و رذاذًا حتى تمسّكَ به بكلّ ما أوتيَ من
قوَّةٍ و إرادة. و انطلقَ الحبلُ صاعدا متمايلا ذات اليمين و ذات الشمال مترنّحا
من أثر الثقل، و رغم الدّوار الذي اعتراه فقد تعلّقَ بالحبل تعلّقَ الغريق بقطعة
خشبٍ طافية.
و شيئا
فشيئا تتّسع فوهة البئر و تأخذ الرؤيا في الاتضاح قليلا و عرف عبسلام أنه الفجرُ،
و لمح في البعيد عند الحافّة خيالات تتراقص كأنها تجاهد لرفع الثّقلِ من الهاوية.
اقتربَ
الخلاص قابَ قوسٍ أو أدنى... و عبسلام كله إيمان و ثقة في كلمات شيخه و إن بدا له
أمر القصر مستهجنا.
و فجأةً
غمرَهُ نور دافئ حين انهالت عليه أشعّةُ الكشّافات الكهربائية و بهره النور الحارق
فأغمض عينيه و صرخَ:
-أنا عبسلام،
أخرجوني من هنا!
و عندما سطعته
أوّل نسائم الفجر الصافي كان ممسوكًا من إبِطيهِ كطائرٍ هضيم الجناح و عرفَ أنّه وقع
أسيرًا في قبضة الجنود.
"يا إلهي!
قُضِيَ عليّ"، راودته الفكرة لكنّه قال في نفسه واثقا: "كلاّ، إنَّ معي شيخي
سَيُنْجينِ" و تراءت له لحية شيخه تُشِعُّ بهاءً و تحمله بركاتها إلى آفاقٍ واعدة
خصبةٍ و طمأنينة لا يشوبه خوف.
صاح أحد الجنود:
"يا بُشرانا! هذا أسير"...
و اتّخذوه رهينة،
و هبطوا الثّكنة و دخلوها بسلامٍ آمنين.
و لكنّهم قومٌ
يجهلون.
و في الثكنة
بدأ التحقيق، ثم رأوا أن يؤجلوا الأمر إلى حين، و لبث في السجن أربعين.
و دخل معه السّجن
فتيان...
Commentaires
Enregistrer un commentaire