Accéder au contenu principal

ابن الغانش


هبّ نسيم عليل و طاب الجوّ للمقيل، و استسلمتُ للكرى، والنائم قد يرى :
أنّه لمّا وَقَعَتِ الواقعة وحلّتْ، و صُفْصِفَتِ الأرضُ و بُدّلت و انتفض من كان في بطنها و اقشعرّ، ثمّ أسرع إلى حيثُ يُحشر، كان شيخُنا -حُفِظَ و اهتدى -قد تخلّف عن جموعهم و انزوى – حفظه الله و اختصّه بمنابر النور و التّقوى –حتّى إذا تزيّل أهل اليمين عن أصحاب الشمال، أقبل شيخُنا في حُلّةٍ من أنوارٍ، ونادى هاتفٌ أن أفسِحوا للأبرار، و جاء رجالٌ ذوو أجنحةٍ بسياطٍ من نارٍ، فزجروا الرّعاعَ و الأغيار، وسيقَ –رحمه الله- إلى سُرّة البطحاء، وجيء له بكسوة من حرير خضراء، و نُصبت له مِظلّةٌ من غمامِ الماء، فوق منبرٍ من ياقوت صقيل، درجاته مُرِّدَتْ من قوارير، و رُفِعت له رايةٌ من وهجٍ يراها الساري من خمسين ألفَ مرحلة، ونادى المُنادي هذا عبدي فمن أجاره فقد أجرته، و اجتمع الناس إليه و تعالى الصراخ و الشجار فأشار عظّمه الله – إلى مَلَكٍ كريمٍ أن نظّم صُفُوفهم ثمّ أرْسلهم، ثمّ عنّ له أظلّه الله –أن يفرض على كلّ رأسٍ مكسا، و كان من رحمته و عطفه أن قدّر على كلّ نفسٍ دينارا ذهبا إلا أن يكون اقترف كبيرة أو شِرْكا فعشرَةٌ تجزي.
و بينما كان النّاس في الغصرات، والغصرات مثل العرصات، وقد دنت الشمس من الرؤوس فكانت قاب قوسين أو أدنى، والعرق سال كالمرق حتى بلغ العنق، قام شيخنا و قد أصابه الأرق و نزل الدرج، و الغلام يحمل وراءه المظلّة، حتى أتى السور...
***
...فلمّا أتى السور، رفعَ –رفعه الله- نظره إلى البناء، فإذا هو عصيٌّ على الارتقاء، شاهقٌ حدّ السماء، فأمر الغلام أن يعود إلى المنبرِ والسّرير، فيحرُسَه من كلِّ حاسدٍ حقير، حتّى إذا فلَّ الغُلام و غار، لبِسَ شيخُنا حُلَّةَ ثعلبٍ هَكّارٍ، و الحيلةُ سلاحُ كلِّ مكّارٍ، و الغايةُ تُبرِّرُها الوسيلة، و الحيلَةُ قَرينةُ الفضيلة، فجلسَ القُرْفصاء إلى الحائط، كأنَّ به من الغائط، وقدِ احتبى بالجلباب، و الاحتباءُ حُيوطُ الأعراب، ثمّ فكّرَ و قدّر، ثمّ قطّبَ جبينه و دبّر، و أطلقَ الهواء و صفّر، ثمّ سوّى العِمامة و انتصب، و العمائمُ تيجانُ العرب، ثُمّ تفقَّدَ تكَّة حزامه، ثمّ نظرَ أمامه، فأذا بينه والبوّابة الأولى مسيرةَ شهرٍ، و قد أخذَ منه التّعبُ و الحرّ، وبينما هو في الحيرة يتقلّبُ، إذ رأى –أضحكَهُ الله- ما يسُرّ القلْبَ و يُُطرب، فتبسّم للِفطنة و الذَّكاء، و التبسّمُ سِمَةُ الأنبياء، ثُمّ ابتعدَ عن الجدار خُطوتين، حتّى إذا مرَّ أحدُ المُقرّبين، من الملَك المُجنّحين، تعلّقَ بكعبه المُشرّف، و ما هي إلاّ عينٌ تطرَف، حتّى كان عند خوخة الباب، و العِطرُ يخطِف الألباب، و الحرسُ لا يُغْمِضُ الأجفان، و الخازنُ اسمُهُ رضوان...
***
ولمّا حطّ المَلك من الأعلى، و الشيخُ في عُرْقوبه تدلّى، قفز كالبهْلوان، أو كأشجعَ الفرْسان، و اختفى في ظلّ غصنٍ من الأغصان، تدلّى من الجنان، حتّى إذا طرقَ المَلَكُ بابَ الخشب، على إيقاع الخبب، من موازين الخليل، العالم الجليل، جاء صوت البكرات، بصرير السلسلات، و عُرِّج المِصراعُ قليلا، وهبّ النسيمُ عليلا، بِريّا القَرُنفُلِ و الحبقِ، و الحبقُ –إن علمتَ- للشَبَقِ، و اختفى المُجنّحُ في النّعيم، و اختفى عبَقُ النّسيم.
ثمّ خطر بروعه أخطار، و قد فطره الله من الأخيار، فسوّى العمامة و الإزار، و تمثّل الخيل العاديات، السابحات الصّافناتِ، العِرابِ الأجاويدِ، على ايقاع الفراهيدي، فهَوى بالطّرْقِ، و الضّرْبِ و الدقّ، و ما أن فُتِح في الباب ذراع، حتّى كان الشيخُ في القاع، و قد زلف إلى الظلّ، حيثُ النّدى و الطلّ، على حين غرّةٍ من البوّاب، و كلّ حارسٍ مرْقاب، و باغته بالحديث، عن الخبر النّبيث، و هلاّ أسعفتني بشربة مشمولة، في آنية مغسولة، فقد اعتمل فيَّ العطش، حتّى صابني الطرش، و إنّ معي صكٌّ، قد يُنْجيني من البكّ، و الدّكّ و الحكّ، و إنّي كما ترى قد شِخْتُ، و انحنى الصُّلبُ منّي و نِخْتُ، و جُوّفت التّرائبُ و خِخْتُ، و عشِيَتِ العيْنُ و سِخْتُ، فدعني أستريحُ هُنَيَْهَةً، و أُغْمِضَ طرْفي رُدَيْهةً، و أنت الكريمُ المشهور، و الحليمُ المذكور، فإن رأيتَ أن أستلقيَ هناك، فجازاك الله و رَقَّاك، و إن رأيت أن أمضيَ إلى حيث النهر ، فالله حافظٌ أبدَ الدهر، و إنّي بعد القيلولةِ أفارق، و لك منّي عهودٌ و مواثق، يا بهيّ الجبين، فلا تعقد الحاجبين، و إني لعهدي من الحافظين، وإنّك من الكِرام المُقرّبين.
و مضى الشيخ إلى ماء العين،و انشغل الحارس بالدواوين، و ظلَّ –قرّبه الله –يقتربُ، و الفردوس غايته و الأربُ، و في مشيِه يضطربُ، و بين عينيه حورٌ عينٌ، كأنّهنَّ بيضٌ مكنونٌ، و كن فيكونُ...
رسالة لم تكتمل ماي 2012

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...