هبّ نسيم
عليل و طاب الجوّ للمقيل، و استسلمتُ للكرى، والنائم قد يرى :
أنّه لمّا وَقَعَتِ الواقعة وحلّتْ، و صُفْصِفَتِ الأرضُ و بُدّلت و انتفض من كان في بطنها و اقشعرّ، ثمّ أسرع إلى حيثُ يُحشر، كان شيخُنا -حُفِظَ و اهتدى -قد تخلّف عن جموعهم و انزوى – حفظه الله و اختصّه بمنابر النور و التّقوى –حتّى إذا تزيّل أهل اليمين عن أصحاب الشمال، أقبل شيخُنا في حُلّةٍ من أنوارٍ، ونادى هاتفٌ أن أفسِحوا للأبرار، و جاء رجالٌ ذوو أجنحةٍ بسياطٍ من نارٍ، فزجروا الرّعاعَ و الأغيار، وسيقَ –رحمه الله- إلى سُرّة البطحاء، وجيء له بكسوة من حرير خضراء، و نُصبت له مِظلّةٌ من غمامِ الماء، فوق منبرٍ من ياقوت صقيل، درجاته مُرِّدَتْ من قوارير، و رُفِعت له رايةٌ من وهجٍ يراها الساري من خمسين ألفَ مرحلة، ونادى المُنادي هذا عبدي فمن أجاره فقد أجرته، و اجتمع الناس إليه و تعالى الصراخ و الشجار فأشار –عظّمه الله – إلى مَلَكٍ كريمٍ أن نظّم صُفُوفهم ثمّ أرْسلهم، ثمّ عنّ له –أظلّه الله –أن يفرض على كلّ رأسٍ مكسا، و كان من رحمته و عطفه أن قدّر على كلّ نفسٍ دينارا ذهبا إلا أن يكون اقترف كبيرة أو شِرْكا فعشرَةٌ تجزي.
و بينما كان النّاس في الغصرات، والغصرات مثل العرصات، وقد دنت الشمس من الرؤوس فكانت قاب قوسين أو أدنى، والعرق سال كالمرق حتى بلغ العنق، قام شيخنا و قد أصابه الأرق و نزل الدرج، و الغلام يحمل وراءه المظلّة، حتى أتى السور...
أنّه لمّا وَقَعَتِ الواقعة وحلّتْ، و صُفْصِفَتِ الأرضُ و بُدّلت و انتفض من كان في بطنها و اقشعرّ، ثمّ أسرع إلى حيثُ يُحشر، كان شيخُنا -حُفِظَ و اهتدى -قد تخلّف عن جموعهم و انزوى – حفظه الله و اختصّه بمنابر النور و التّقوى –حتّى إذا تزيّل أهل اليمين عن أصحاب الشمال، أقبل شيخُنا في حُلّةٍ من أنوارٍ، ونادى هاتفٌ أن أفسِحوا للأبرار، و جاء رجالٌ ذوو أجنحةٍ بسياطٍ من نارٍ، فزجروا الرّعاعَ و الأغيار، وسيقَ –رحمه الله- إلى سُرّة البطحاء، وجيء له بكسوة من حرير خضراء، و نُصبت له مِظلّةٌ من غمامِ الماء، فوق منبرٍ من ياقوت صقيل، درجاته مُرِّدَتْ من قوارير، و رُفِعت له رايةٌ من وهجٍ يراها الساري من خمسين ألفَ مرحلة، ونادى المُنادي هذا عبدي فمن أجاره فقد أجرته، و اجتمع الناس إليه و تعالى الصراخ و الشجار فأشار –عظّمه الله – إلى مَلَكٍ كريمٍ أن نظّم صُفُوفهم ثمّ أرْسلهم، ثمّ عنّ له –أظلّه الله –أن يفرض على كلّ رأسٍ مكسا، و كان من رحمته و عطفه أن قدّر على كلّ نفسٍ دينارا ذهبا إلا أن يكون اقترف كبيرة أو شِرْكا فعشرَةٌ تجزي.
و بينما كان النّاس في الغصرات، والغصرات مثل العرصات، وقد دنت الشمس من الرؤوس فكانت قاب قوسين أو أدنى، والعرق سال كالمرق حتى بلغ العنق، قام شيخنا و قد أصابه الأرق و نزل الدرج، و الغلام يحمل وراءه المظلّة، حتى أتى السور...
***
...فلمّا أتى السور، رفعَ –رفعه الله- نظره إلى البناء، فإذا هو عصيٌّ على الارتقاء، شاهقٌ حدّ السماء، فأمر الغلام أن يعود إلى المنبرِ والسّرير، فيحرُسَه من كلِّ حاسدٍ حقير، حتّى إذا فلَّ الغُلام و غار، لبِسَ شيخُنا حُلَّةَ ثعلبٍ هَكّارٍ، و الحيلةُ سلاحُ كلِّ مكّارٍ، و الغايةُ تُبرِّرُها الوسيلة، و الحيلَةُ قَرينةُ الفضيلة، فجلسَ القُرْفصاء إلى الحائط، كأنَّ به من الغائط، وقدِ احتبى بالجلباب، و الاحتباءُ حُيوطُ الأعراب، ثمّ فكّرَ و قدّر، ثمّ قطّبَ جبينه و دبّر، و أطلقَ الهواء و صفّر، ثمّ سوّى العِمامة و انتصب، و العمائمُ تيجانُ العرب، ثُمّ تفقَّدَ تكَّة حزامه، ثمّ نظرَ أمامه، فأذا بينه والبوّابة الأولى مسيرةَ شهرٍ، و قد أخذَ منه التّعبُ و الحرّ، وبينما هو في الحيرة يتقلّبُ، إذ رأى –أضحكَهُ الله- ما يسُرّ القلْبَ و يُُطرب، فتبسّم للِفطنة و الذَّكاء، و التبسّمُ سِمَةُ الأنبياء، ثُمّ ابتعدَ عن الجدار خُطوتين، حتّى إذا مرَّ أحدُ المُقرّبين، من الملَك المُجنّحين، تعلّقَ بكعبه المُشرّف، و ما هي إلاّ عينٌ تطرَف، حتّى كان عند خوخة الباب، و العِطرُ يخطِف الألباب، و الحرسُ لا يُغْمِضُ الأجفان، و الخازنُ اسمُهُ رضوان...
...فلمّا أتى السور، رفعَ –رفعه الله- نظره إلى البناء، فإذا هو عصيٌّ على الارتقاء، شاهقٌ حدّ السماء، فأمر الغلام أن يعود إلى المنبرِ والسّرير، فيحرُسَه من كلِّ حاسدٍ حقير، حتّى إذا فلَّ الغُلام و غار، لبِسَ شيخُنا حُلَّةَ ثعلبٍ هَكّارٍ، و الحيلةُ سلاحُ كلِّ مكّارٍ، و الغايةُ تُبرِّرُها الوسيلة، و الحيلَةُ قَرينةُ الفضيلة، فجلسَ القُرْفصاء إلى الحائط، كأنَّ به من الغائط، وقدِ احتبى بالجلباب، و الاحتباءُ حُيوطُ الأعراب، ثمّ فكّرَ و قدّر، ثمّ قطّبَ جبينه و دبّر، و أطلقَ الهواء و صفّر، ثمّ سوّى العِمامة و انتصب، و العمائمُ تيجانُ العرب، ثُمّ تفقَّدَ تكَّة حزامه، ثمّ نظرَ أمامه، فأذا بينه والبوّابة الأولى مسيرةَ شهرٍ، و قد أخذَ منه التّعبُ و الحرّ، وبينما هو في الحيرة يتقلّبُ، إذ رأى –أضحكَهُ الله- ما يسُرّ القلْبَ و يُُطرب، فتبسّم للِفطنة و الذَّكاء، و التبسّمُ سِمَةُ الأنبياء، ثُمّ ابتعدَ عن الجدار خُطوتين، حتّى إذا مرَّ أحدُ المُقرّبين، من الملَك المُجنّحين، تعلّقَ بكعبه المُشرّف، و ما هي إلاّ عينٌ تطرَف، حتّى كان عند خوخة الباب، و العِطرُ يخطِف الألباب، و الحرسُ لا يُغْمِضُ الأجفان، و الخازنُ اسمُهُ رضوان...
***
ولمّا حطّ المَلك من الأعلى، و الشيخُ في عُرْقوبه تدلّى، قفز كالبهْلوان، أو كأشجعَ الفرْسان، و اختفى في ظلّ غصنٍ من الأغصان، تدلّى من الجنان، حتّى إذا طرقَ المَلَكُ بابَ الخشب، على إيقاع الخبب، من موازين الخليل، العالم الجليل، جاء صوت البكرات، بصرير السلسلات، و عُرِّج المِصراعُ قليلا، وهبّ النسيمُ عليلا، بِريّا القَرُنفُلِ و الحبقِ، و الحبقُ –إن علمتَ- للشَبَقِ، و اختفى المُجنّحُ في النّعيم، و اختفى عبَقُ النّسيم.
ثمّ خطر بروعه أخطار، و قد فطره الله من الأخيار، فسوّى العمامة و الإزار، و تمثّل الخيل العاديات، السابحات الصّافناتِ، العِرابِ الأجاويدِ، على ايقاع الفراهيدي، فهَوى بالطّرْقِ، و الضّرْبِ و الدقّ، و ما أن فُتِح في الباب ذراع، حتّى كان الشيخُ في القاع، و قد زلف إلى الظلّ، حيثُ النّدى و الطلّ، على حين غرّةٍ من البوّاب، و كلّ حارسٍ مرْقاب، و باغته بالحديث، عن الخبر النّبيث، و هلاّ أسعفتني بشربة مشمولة، في آنية مغسولة، فقد اعتمل فيَّ العطش، حتّى صابني الطرش، و إنّ معي صكٌّ، قد يُنْجيني من البكّ، و الدّكّ و الحكّ، و إنّي كما ترى قد شِخْتُ، و انحنى الصُّلبُ منّي و نِخْتُ، و جُوّفت التّرائبُ و خِخْتُ، و عشِيَتِ العيْنُ و سِخْتُ، فدعني أستريحُ هُنَيَْهَةً، و أُغْمِضَ طرْفي رُدَيْهةً، و أنت الكريمُ المشهور، و الحليمُ المذكور، فإن رأيتَ أن أستلقيَ هناك، فجازاك الله و رَقَّاك، و إن رأيت أن أمضيَ إلى حيث النهر ، فالله حافظٌ أبدَ الدهر، و إنّي بعد القيلولةِ أفارق، و لك منّي عهودٌ و مواثق، يا بهيّ الجبين، فلا تعقد الحاجبين، و إني لعهدي من الحافظين، وإنّك من الكِرام المُقرّبين.
و مضى الشيخ إلى ماء العين،و انشغل الحارس بالدواوين، و ظلَّ –قرّبه الله –يقتربُ، و الفردوس غايته و الأربُ، و في مشيِه يضطربُ، و بين عينيه حورٌ عينٌ، كأنّهنَّ بيضٌ مكنونٌ، و كن فيكونُ...
ولمّا حطّ المَلك من الأعلى، و الشيخُ في عُرْقوبه تدلّى، قفز كالبهْلوان، أو كأشجعَ الفرْسان، و اختفى في ظلّ غصنٍ من الأغصان، تدلّى من الجنان، حتّى إذا طرقَ المَلَكُ بابَ الخشب، على إيقاع الخبب، من موازين الخليل، العالم الجليل، جاء صوت البكرات، بصرير السلسلات، و عُرِّج المِصراعُ قليلا، وهبّ النسيمُ عليلا، بِريّا القَرُنفُلِ و الحبقِ، و الحبقُ –إن علمتَ- للشَبَقِ، و اختفى المُجنّحُ في النّعيم، و اختفى عبَقُ النّسيم.
ثمّ خطر بروعه أخطار، و قد فطره الله من الأخيار، فسوّى العمامة و الإزار، و تمثّل الخيل العاديات، السابحات الصّافناتِ، العِرابِ الأجاويدِ، على ايقاع الفراهيدي، فهَوى بالطّرْقِ، و الضّرْبِ و الدقّ، و ما أن فُتِح في الباب ذراع، حتّى كان الشيخُ في القاع، و قد زلف إلى الظلّ، حيثُ النّدى و الطلّ، على حين غرّةٍ من البوّاب، و كلّ حارسٍ مرْقاب، و باغته بالحديث، عن الخبر النّبيث، و هلاّ أسعفتني بشربة مشمولة، في آنية مغسولة، فقد اعتمل فيَّ العطش، حتّى صابني الطرش، و إنّ معي صكٌّ، قد يُنْجيني من البكّ، و الدّكّ و الحكّ، و إنّي كما ترى قد شِخْتُ، و انحنى الصُّلبُ منّي و نِخْتُ، و جُوّفت التّرائبُ و خِخْتُ، و عشِيَتِ العيْنُ و سِخْتُ، فدعني أستريحُ هُنَيَْهَةً، و أُغْمِضَ طرْفي رُدَيْهةً، و أنت الكريمُ المشهور، و الحليمُ المذكور، فإن رأيتَ أن أستلقيَ هناك، فجازاك الله و رَقَّاك، و إن رأيت أن أمضيَ إلى حيث النهر ، فالله حافظٌ أبدَ الدهر، و إنّي بعد القيلولةِ أفارق، و لك منّي عهودٌ و مواثق، يا بهيّ الجبين، فلا تعقد الحاجبين، و إني لعهدي من الحافظين، وإنّك من الكِرام المُقرّبين.
و مضى الشيخ إلى ماء العين،و انشغل الحارس بالدواوين، و ظلَّ –قرّبه الله –يقتربُ، و الفردوس غايته و الأربُ، و في مشيِه يضطربُ، و بين عينيه حورٌ عينٌ، كأنّهنَّ بيضٌ مكنونٌ، و كن فيكونُ...
رسالة لم تكتمل ماي 2012
Commentaires
Enregistrer un commentaire