Accéder au contenu principal

الجاموسة 8

عادت منية تجلس مكان الأصلع، تفحّصت علب السجائر أمامها فوجدتها كلّها علامات رديئة، لمحها الجاموسة فأخرج علبته الفاخرة مشيرا لها.
كان بينها و بينه جثتان تتنفسان، الأول أرخى رأسه حتى ألقاه على ركبته بينما يده اليسرى لازالت تقبض على عبوة فكأنها تيبّست هناك، الثاني نفدت بطاريات وعيه و تركته على وضع الابتسام و يده اليمنى في حركةٍ بين التسبيح و نقرٍ على بيانو خفِيَ إلا عن عينه بينما يده اليسرى استحالت فيها عبوة الجعة إلى عصا المايسترو.
اقتربت منه عبر الفراغ الضيّق بين الحالمين و طاولة الآجر و حين مالت ليشعل لها اللفافة استيقظت الروح في الجثة الأولى فرفع رأسه لتصطدم عينه بمؤخّرة منية، و قبل أن يعود ليطأطئ رأسه اندفعت يده لتقرص إلية الفتاة.
تمتم صوت من الطّرف الآخر: "عاهرة" و عاد يجترّ أحلامه.
في الخارج يُخيّم الظلام و الهواء أثقلته الرطوبة و الغبار النازل من الأعالي، و السّكون له حشرجات حين تنفخ أنفاسٌ قِبْليّةٌ وهَجا يتسرّب عبر فتحات الأبواب و يصفع جدرانا جدرانًا حمراء فيُسمع لها أنين متقطّعٌ سُرعان ما تُطبق عليه الأسقُفُ و تغصّ به لتُفْتَحَ أبوابُ البيوت على مصراعيها باستغاثةٍ و أمنيَةٍ باردة.
تقريبا نام الجميع في أماكنهم، السّكارى ينامون لا شكّ، و إلا لما كانت العربدات المترنّحة تأزَرُ إلى جحورها فجرًا لتساور أحلامًا أفعوانيةً و تنساب الطريق أمام الشّمس.
كيف تجرؤ امرأة أن تدعوَ رجلا إن لم تكن عاهرة؟! كأنّ السؤال لمع في ذهنه، لكن الذين يعرفون الطريق لا يسألون.
سحبته إلى الحجرة و استلقت على السرير.
السكارى كما الصعاليك، لهم آداب و قِيَم، لا صعلكة دون خمر و لا سُكر دون رَحيق، و السّكّير الجيّد مثل الصعلوك الجيّد يكتم مشاعره و أسراره كما يكتم أنفاسه لحظة يصبّ الخمر في حلقه. الرّقّة مذمّة و الشّدة فخرٌ ، و من أبدى سرائرَ نفسه أشارت له الأصابع بالخزي.
حالت بطنه دون حاجته، و في لحظات هياجه تلك أمرها أن تجثو أمامه على أربع.
اللذّة عمياء، مثل الموت. و في الموت لذّةٌ تخفى على العاقل، و السّكير كما الصعلوك عاقل و العقل جُنّة، أمّا الجنون فكشف و سفرٌ... دعنا من هذا.
تعشق منية تأمّل الموت في عيون الرّجال و تنتشي حين تُسكبُ آخر قطرة روحٍ من مآقٍ صافيةٍ لم يعد فيها عنوان ليسقطوا صرعى على صدرها.
هذا موتٌ جديد لم تُجرّبه من قبل، لذلك مدّت ذراعها و سحبت الوسادة من تحت رأسها لتشهد فَناءً جديدا.
"عاهرة نظيفة"، الأسماء لا تُطلقُ جزافا أبدا، كأنّها عُلّقت في رقاب أصحابها منذ الأزل.
حين أصبحت في متناوله تماما، ضجّت الروح في كومة اللحم المترهّل لتتحرر من سجنها لحظات.

كان ذلك البارحة، اليوم و هو يسترجع شريط الأحداث كان قلبه يخفق. نظر إلى بطنه و تمتم شيئا ثم قام.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...