Accéder au contenu principal

هلال 2


"هذه الرؤى لا تتركني.
للمرة الألف تعاوده نفس الصورة: نورٌ يضيء ثلث الدنيا و هاتف يخبر عن دنانير الذهب.
هذه المرّة أفاق مذعورا. كان هناك بعير أبيض يُقبل من جهة الغرب، لا بدّ أنه شرد من إحدى القوافل، هذا موسم رحلة الصيف .
نادى بأعلى صوته: يا لُبابة ...
صوت طفل يجيب، أحد أحفاده، لم يعد يحصيهم: هي ترد الماء من البئر .
عاد يتأمّل البعير الشارد، هذا فألٌ حسن .
**
-
مولايا أبا الفضل، نفتقد البعير الأبيض، يبدو أنه اتجه شرقا، هناك عند مضارب هلال بن صعصعة.
يطلُب أبو الفضل من الرجال أن يُبْطؤوا قليلا ريثما يدرك البعير و ينفصلُ حيث الكثيب الأحمر.
عند البئر،تسمّر أبو الفضل على جواده .
كانت تنظر اليه .
لغة العيون لا تخطأ أبدا .
تلعثم ثم استجمع حروفه: جئت في طلب بعير أبيض .
أشارت ببنان ...في اتجاه شجرة الطرفاء.
شيخٌ و قد أسند ظهره إلى جذع الشجرة و بعير قد أناخ قريبا منه، هو ذاك.
-عمت صباحا يا شيخ العرب .
-
عمت صباحا يا أخا العرب ،أقرشيٌّ؟
-حفظتك الآلهة، من بني هاشم .
-
ذاك نسبٌ بعيد، أضيفٌ فنوقدَ أم عابرٌ فنسقي ؟
-ليتني كنت ضيفك، جئت في طلب هذا .
-
حمزة، كيف حاله ؟
-
مازال يقهر الأسود.
-و الدين الجديد ،سمعت أن خيرة فتيان قريش صبأت !
-تفعل الآلهة ما تشاء.
لم يكُفّ الشيخ عن تفحّص وجه الضيف .
-
عرفت فيك شبها من عبد المطّلب رحمته الآلهة، أهو عمك؟
-
ذاك أبي .
-
سيّد العرب ! خذ حاجتك و أرجو أن تعود .
-سأفعل، سأفعل... إذا عدنا من الرحلة آتيك .
-
غادر العباس مضارب هلال و بقيَ قلبه.
**

عاد هلال يستظل إلى جذع الشجرة، في الماضي كانت له صولات... منذ سنوات سلّم المشعل إلى ابنه الأكبر، أصبح يطيل الصمت .
في سنوات الجفاف كان ينزل مع أهله إلى أسفل الوادي حيث المراعي الخصبة، أو يُغير على الأحياء المجاورة... عندما يشتد القحط أكثر يلزمون طريق القبائل: الإتاوة أو الغارة، حتّى بعير قريش -بعير الله - لا تسلم، تلك هي الصحراء.
أغمض هلال جفنيه و تمتم: أدامت الآلهة الرخاء. منذ سنوات عم الخير و لم ينقطع الغيث... مرّت في رأسه صورة الخنافس المُجففة، لها طعم كالزبيب المال .
كانت لبابة لا تفتأُ تراقب أباها في الغدوة و الروحة، صارت تخشى عليه من أوهامه، فتلك الرؤيا لا تغادره.
اشتدّ الضجيج على الطريق، القوافل تعود محمّلة بكل الأطاييب، ربما سيشتري هدية لـلبابة، و بعض الحلوى للبابة الأخرى، حفيدته، تلك التي تعبث بلحيته و تنزع عمامته.
فصلت العير، كوكبة من الفرسان و خلفها بعيران يتثاقلان .
أسرعت لبابة تحثّ الخطى لتخبر الشيخ.
الريحُ طيّبة، قال الشيخ و عاد الى تأمّله.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...